[ ] ويشهد للثاني النهي عن الانتخاب ; لقول الانتخاب عند الضرورة : ( والكتاب ) ، أو الجزء ، بالنصب ( تمم ) أيها الطالب ( سماعه ) وكتابته ، و ( لا تنتخبه تندم ) ; فإنك قد تحتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه ، فلا تجده فيما انتخبته منه ، وقد قال ابن الصلاح : ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت . ابن المبارك
وفي لفظ عنه : ما جاء من منتق خير قط . وعن قال : سيندم المنتخب في الحديث حيث لا ينفعه الندم . وفي لفظ عنه : صاحب الانتخاب يندم ، وصاحب النسخ لا يندم . [ ص: 301 ] وقال ابن معين المجد الصرجكي من الحنفية : ما قرمطنا ندمنا ، وما انتخبنا ندمنا ، وما لم نقابل ندمنا . وقد أشرت إليه في المقابلة . وقال أبو الزناد : كنا نكتب الحلال والحرام ، وكان يكتب كل ما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس . الزهري
ولم يقنع الإمام أحمد بانتخاب كتب غندر كما فعل وغيره ، بل قال : ما أعلم أحدا نسخ كتبه غيرنا . ابن المديني
( و ) لكن ( إن يضق حال ) كما أشار إليه الخطيب ( عن استيعابه ) ; أي : الكتاب أو الجزء ; لعسر الشيخ ، أو لكونه أو الطالب واردا غير مقيم ، فلا يتسع الوقت له ، أو لضيق يد الطالب ونحو ذلك . وكذا إن اتسع مسموعه بحيث تكون كتابة الكتب أو الأجزاء كاملة كالتكرار ، واتفق شيء منها ( لعارف ) ; أي : بجودة الانتخاب ، اجتهد ( وأجاد في انتخابه ) بنفسه ، فقد كان الناس على ذلك .
( أو ) اتفق ذلك لمن ( قصر ) عن معرفة الانتخاب ( استعان ) في انتخاب ما له فيه غرض ( ذا ) ; أي : صاحب ، ( حفظ ) ومعرفة ; ( فقد كان من الحفاظ من له ) ; أي : للانتخاب لرفاقه المتميزين فضلا عن القاصرين ، ( يعد ) ; أي : يهيئ بحيث يوجه إليه ويتصدى لفعله ; كأبي زرعة الرازي والنسائي وإبراهيم بن أورمة [ ص: 302 ] وعبيد العجل والجعابي وعمر بن الحاجب البصري وابن المظفر والدارقطني وابن أبي الفوارس واللالكائي ; فإنهم كانوا ينتخبون على الشيوخ ، والطلبة تسمع وتكتب بانتخابهم .
واقتفى من بعدهم أثرهم في ذلك إلى الناظم وتلامذته ; كولده والصلاح الأقفهسي وشيخنا ، ثم طلبته ; كالجمال بن موسى ومستمليه وصاحبنا النجم الهاشمي .
وتوسعا في ذلك إلى حد لم أرتضه منهما ، وإن كنت سلكته ، والأعمال بالنيات ، وإلا فمتى لم يكن عارفا وتولى ذلك بنفسه أخل ، كما وقع في ابتداء أمره مما حكاه عن نفسه ، قال : دفع إلي لابن معين ابن وهب عن معاوية بن صالح خمسمائة أو ستمائة حديث ، فانتقيت شرارها لكوني لم يكن لي بها حينئذ معرفة .
وقد رأيت ما يدل على أن شرط الانتخاب أن يقتصر على ما ليس عنده وعند من ينتخب لهم ، فذكر عن أبو أحمد بن عدي قال : كنا نحضر مع أبي العباس بن عقدة الحسين بن محمد المعروف بعبيد ، ويلقب أيضا ( العجل ) ، عند الشيوخ وهو شاب ، فينتخب لنا ، فكان إذا أخذ الكتاب كلمناه فلا يجيبنا حتى يفرغ ، فسألناه [ ص: 303 ] عن ذلك ، فقال : إنه إذا مر حديث الصحابي أحتاج أتفكر في مسند ذلك الصحابي ، هل الحديث فيه أم لا ؟ فلو أجبتكم خشيت أن أزل ، فتقولون لي : لم انتخبت هذا وقد حدثنا به فلان .
( وعلموا ) ; أي : من انتخب من الأئمة ، ( في الأصل ) المنتخب منه ما انتخبوه ; لأجل تيسر معارضة ما كتبوه به ، أو لإمساك الشيخ أصله بيده ، أو للتحديث منه ، أو لكتابة فرع آخر منه ; حيث فقد الأول ، واختلف اختيارهم في كيفيته لكونه لا حجر فيه ، فعلموا ( إما خطا ) بالحمرة ، ثم منهم من يجعله عريضا في الحاشية اليسرى ، أو صغيرا في أول إسناد الحديث كالدارقطني كاللالكائي .
( أو ) علموا بصورة ( همزتين ) بحبر في الحاشية اليمنى ; كأبي الفضل علي بن الحسن الفلكي ، ( أو بصاد ) ممدودة بحبر في الحاشية أيضا ; كأبي الحسن علي بن أحمد النعيمي ، ( أو بطا ) مهملة ممدودة كذلك ; ، أو بحائين إحداهما إلى جنب الأخرى كذلك ; كأبي محمد الخلال كمحمد بن طلحة النعالي ، أو بجيم في الحاشية اليمنى كالجماعة ، أو غير ذلك .