الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ حفظ الكتب والمذاكرة بعده ] :

( واحفظه ) ; أي : الحديث ، ( بالتدريج ) قليلا قليلا مع الأيام والليالي ، فذلك أحرى بأن تمتع بمحفوظك ، أو أدعى لعدم نسيانه ، ولا تنشره في كثرة كمية المحفوظ مع قلة مرات الدرس وقلة الزمان الذي هو ظرف المحفوظ . وكذا لا تأخذ نفسك بما لا طاقة لك به ، بل اقتصر على اليسير الذي تضبطه وتحكم حفظه وإتقانه ; لقوله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا من الأعمال ما تطيقون ) .

ولذا قال الثوري : كنت آتي الأعمش ومنصورا فأسمع أربعة [ ص: 315 ] أحاديث خمسة ، ثم أنصرف كراهية أن تكثر وتفلت . رويناه في ( الجامع ) للخطيب . وعنده عن شعبة وابن علية ومعمر نحوه .

وعن الزهري قال : من طلب العلم جملة فاته جملة ، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان . وعنه أيضا قال : إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك ، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به .

( ثم ) بعد حفظك له ( ذاكر به ) الطلبة ونحوهم ، فإن لم تجد من تذاكره فذاكر مع نفسك ، وكرره على قلبك ، فالمذاكرة تعينك على ثبوت المحفوظ ، وهي من أقوى أسباب الانتفاع به .

والأصل فيها معارضة جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان ، ويروى عن أنس قال : ( كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث ، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه ) . وفي حديث مرفوع : ( أن المؤمن نساء إذا ذكر ذكر ) .

وقال علي : ( تذاكروا هذا الحديث ، إن لا تفعلوا يدرس ) ، وقال ابن مسعود : ( تذاكروا الحديث ; فإن حياته مذاكرته ) ، ونحوه عن أبي سعيد [ ص: 316 ] الخدري وابن عباس . وقال الخليل بن أحمد : ذاكر بعلمك تذكر ما عندك ، وتستفيد ما ليس عندك . وقال عبد الله بن المعتز : من أكثر مذاكرة العلماء لم ينس ما علم ، واستفاد ما لم يعلم .

وقال إبراهيم النخعي : من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به ، ولو أن يحدث به من لا يشتهيه . وقد كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب ، ويحدثهم كي لا ينسى حديثه . ونحوه ما اعتذر به ابن المجدي عن القاياتي في إقرائه مشكل الكتب للمبتدئين ، أن ذلك لئلا ينفك إدمانه في تقريرها . وقيل : حب التذاكر أنفع من حب البلاذر . وقيل أيضا : حفظ سطرين خير من كتابة وقرين ، وخير منهما مذاكرة اثنين .

ولبعضهم :


من حاز العلم وذاكره صلحت دنياه وآخرته     فأدم للعلم مذاكرة
فحياة العلم مذاكرته

[ ص: 317 ] ( و ) لا تتساهلن في المذاكرة ، بل ( الاتقان ) بالنصب مفعول مقدم ، فيها وفي شأنك كله ( اصحبن ) بنون التأكيد الخفيفة ، فالحفظ - كما قال ابن مهدي - الإتقان .

التالي السابق


الخدمات العلمية