[ ] : التصنيف على الأبواب والمسانيد
( وهو ) التأليف الأعم ( في التصنيف ) في الحديث ( طريقتان ) مألوفتان بين العلماء :
الأولى : ( جمعه ) ; أي : التصنيف بالسند ، ( أبوابا ) ; أي : على الأبواب الفقهية وغيرها ، وتنويعه أنواعا ، وجمع ما ورد في كل حكم وكل نوع إثباتا ونفيا في باب فباب ، بحيث يتميز ما يدخل في الجهاد مثلا عما يتعلق بالصيام .
وأهل هذه الطريقة منهم من يتقيد بالصحيح ; كالشيخين وغيرهما ، ومنهم من لم يتقيد بذلك ; كباقي الكتب الستة وغيرها مما ذكر قريبا ، وما لا ينحصر كالاقتصار على الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب .
[ ص: 320 ] وربما لم يذكر الإسناد واقتصر على المتن فقط ; كـ ( المصابيح ) للبغوي ، ثم ( المشكاة ) ، وزاد على الأول عزو المتن ، وهما نافعان في هذه الأزمان المقصر أهلها ، ثم من المبوبين من يقتصر على باب واحد أو مسألة واحدة كما سيأتي قريبا ، ومنهم من يحكم على الحديث صريحا ; أو إجمالا كالترمذي كأبي داود .
( أو ) جمعه ( مسندا ) ; أي : على المسانيد ، ( تفرده صحابا ) ; أي : للصحابة واحدا فواحدا ، وإن اختلف أنواع أحاديثه ، وذلك كـ ( مسند ) وغيره مما ذكر قريبا ، وكذا مما لم يذكر ; كـ ( مسند الإمام أحمد ) ، عبيد الله بن موسى العبسي ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي بكر بن شيبة ، وأحمد بن منيع وأبي خيثمة ، وأحمد بن سنان ، ، والحسن بن سفيان وما يوجد من ( مسند وأبي بكر البزار ، ) ، والموجود منه - كما سيأتي - القليل ، و ( مسند يعقوب بن شيبة ) ، إسماعيل القاضي ومحمد بن أيوب الرازي ، وليس هو بموجود الآن ، . ونعيم بن حماد
وقال : ( إنه أول من صنف مسندا وتتبعه ، الدارقطني ، وهو وإن كان أكبر من وأسد بن موسى نعيم سنا ، وأقدم سماعا ، فيحتمل - كما قال الخطيب - أن يكون تصنيف نعيم له في حداثته ، وتصنيف أسد بعده في كبره ) . انتهى .
ولولا أن الجامع لـ ( مسند ) غيره بحسب ما وقع له بخصوصه من حديثه إلا بالنظر لجميع ما رواه الطيالسي ; فإنه مكثر جدا ، لكان أول مسند ; فإن الطيالسي متقدم على هؤلاء . وهذه هي الطريقة الثانية ، والقصد منها - كما قال الطيالسي ابن الأثير - تدوين الحديث مطلقا ; ليحفظ لفظه ويستنبط منه الحكم ، يعني في الجملة .
وأهلها منهم من يرتب أسماء الصحابة على حروف المعجم بأن يجعل أبي بن [ ص: 321 ] كعب وأسامة في الهمزة ; في معجمه الكبير ، ثم كالطبراني الضياء في مختاراته التي لم تكمل ، ومنهم من يرتب على القبائل ، فيقدم بني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب ، ومنهم من يرتب على السابقة في الإسلام ، فيقدم العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الحديبية ، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح ، ثم من أسلم يوم الفتح ، ثم الأصاغر الأسنان كالسائب بن يزيد وأبي الطفيل ، ثم بالنساء ، ويبدأ منهن بأمهات المؤمنين .
قال الخطيب : ( وهي أحب إلينا ، وكذا قال : إنها أحسن ، يعني لتقديم الأولى فالأولى ، واللتان قبلها أسهل تناولا منها ، وأسهلهما أولاهما ) . ابن الصلاح
ثم من أهلها من يجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه من غير نظر لصحة وغيرها ، وهم الأكثر ، ومنهم من يقتصر على الصالح للحجة ; كالضياء ، ومنهم من يقتصر على صحابي واحد ; كمسند أبي بكر مثلا ، أو مسند عمر ، ومنهم من يقتصر على طرف الحديث الدال على بقيته ، ويجمع أسانيده إما مستوعبا ، وإما مقيدا بكتب مخصوصة شبه ما فعل أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي - بفتح المهملة وقاف - في ( أطراف الخمسة ) ، والمزي في ( أطراف الكتب الستة ) ، وشيخنا في ( أطراف الكتب العشرة ) .
وطريقة المزي أنه إن كان الصحابي من المكثرين رتب حديثه على الحروف [ ص: 322 ] أيضا في الرواة عنه ، وكذا يفعل في التابعين حيث يكون من المكثرين عن ذلك الصحابي ، وهكذا .
وقد طرف أحاديث الأفراد ابن طاهر ، وسلك للدارقطني طريقة ثالثة ، فرتب صحيحه على خمسة أقسام ، وهي : الأوامر ، والنواهي ، والإخبار عما احتيج لمعرفته ; كبدء الوحي ، والإسراء ، وما فضل به على الأنبياء ، والإباحات ، وأفعاله صلى الله عليه وسلم التي انفرد بفعلها مما اختص به وشبهه ، ونوع كل قسم منها أنواعا ، ولعمري إنه وعر المسلك ، صعب المرتقى ، بحيث سمعت شيخنا يقول : إنه رام تقريبه فبعده . ابن حبان