الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
7660 3741 - (7717) - (2 \ 275 - 276) عن أبي هريرة، قال: قال الناس: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة; فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟"، قالوا: لا، يا رسول الله، فقال: "هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟"، فقالوا: لا، يا رسول الله، قال: "فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك، يجمع الله الناس، فيقول: من كان يعبد شيئا فيتبعه، فيتبع من كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الآفة فيها منافقوها، فيأتيهم الله - عز وجل - في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا ربنا عرفناه، قال: فيأتيهم الله - عز وجل - في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه، قال: ويضرب جسر على جهنم". قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأكون أول من يجيز، ودعوى الرسل يومئذ!: اللهم سلم سلم، وبها كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟"، قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: "فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله - عز وجل - من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يرحم، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم من ماء يقال له: ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل. ويبقى رجل يقبل بوجهه إلى النار، فيقول: أي رب! قد قشبني ريحها، [ ص: 299 ] وأحرقني ذكاؤها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، حتى يقول: فلعلي إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره; فيقول: لا، وعزتك! لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، فيقول بعد ذلك: يا رب! قربني إلى باب الجنة، فيقول: أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا بن آدم، ما أغدرك! فلا يزال يدعو، حتى يقول: فلعلي إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك! لا أسألك غيره، ويعطي الله من عهود ومواثيق ألا يسأل غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا دنا منها، انفهقت له الجنة، فإذا رأى ما فيها من الحبرة والسرور، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: يا رب! أدخلني الجنة، فيقول: أوليس قد زعمت ألا تسألني غيره، وقد أعطيت عهودك ومواثيقك ألا تسألني غيره؟! فيقول: يا رب! لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو الله، حتى يضحك، فإذا ضحك منه، أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل، قيل له: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال: تمن من كذا، فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني، فيقال له: هذا لك ومثله معه". قال: وأبو سعيد جالس مع أبي هريرة، ولا يغير عليه شيئا من قوله، حتى انتهى إلى قوله: "هذا لك ومثله معه". قال أبو سعيد: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا لك وعشرة أمثاله معه". قال أبو هريرة: حفظت: "مثله معه". قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة.

التالي السابق


* قوله: " هل تضارون ": - بفتح التاء وتشديد الراء - ; من الضرر، أو تخفيفها; من الضير، وهو تفاعل حذفت إحدى تاءيه; أي: هل تزدحمون في رؤية الشمس أو القمر بحيث يؤدي ذلك إلى أن يصيب بعضا ضرر من بعض؟* " كذلك ": أي: كرؤيتكم الشمس والقمر بلا ازدحام ولحوق ضرر. ولا يلزم من تشبيه الرؤية بالرؤية - فيما ذكر - تشبيه المرئي بالمرئي حتى قال: إنه يلزم منه الجهة وغيرها. [ ص: 300 ] * " فيتبعه ": بالجزم بتقدير لام الأمر; أي: فليتبعه كما جاء به الرواية، وقيل: أو - بالرفع - على أنه خبر بمعنى الأمر، وهو من اتبع بالتشديد، أو تبع بالتخفيف .

* " الطواغيت ": جمع طاغوت، وهو الشيطان، أو الصنم، أو كل رأس في الضلالة، أو كل ما عبد من [دون] الله، وصد عن عبادته، أو الساحر، أو الكاهن، أو مردة أهل الكتاب، فعلوت من الطغيان، قلب عينه ولامه .

* " هذه الأمة ": أي: أهل الإسلام .

* " فيأتيهم الله - عز وجل - ": أي: يظهر لهم على وجه تخفى عليهم بعض صفاته التي يعهدونه بها، فيقولون خوفا من الوقوع في اتباع غيره تعالى وارتكاب الشرك:* " نعوذ بالله منك، هذا مكاننا. . . إلخ ": وفي هذا إظهار شرفهم ونزاهتهم عن رذيلة الشرك إلى هذا الحد، ولا يلزم فيه تغير في صفات المرئي، وإنما التغير في رؤيتهم، والظهور عليهم. وقيل: ومعنى: " فيأتيهم الله أولا ": يأتيهم ملكه; على حذف المضاف، ورد بأن الملك معصوم، فكيف يقول: أنا ربكم، وهو كذب؟!أجيب: بأنا لا نسلم عصمته من هذه الصغيرة لمصلحة الامتحان، ورد بأنه يلزم منه أن يكون قول فرعون: "أنا ربكم" من الصغائر، انتهى. قلت: إن فرض مجيء الملك، فلا شك إن فرض مجيء الملك، [فلا شك] أنه يجيء بإذن الله، ويقول بإذن الله، فلا يتصور أن يكون قوله صغيرة ولا كبيرة، ولا يمكن قياسه بقول فرعون، بل الظاهر أنه يقول بأمره تعالى، فيكون القول واجبا أو مندوبا، فكيف يكون معصية؟! لكن نفي الإشكال من [ ص: 301 ] حيث إنه في الظاهر شرك، ومعلوم أن الشرك غير مأذون فيه في حال، وقد قال تعالى ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم [الأنبياء: 29]. والتحقيق أنه لو فرض الأمر كذلك، فلا إشكال; لجواز أن يقول كذلك حكاية لبعض كلماته تعالى، وقراءة لها; كأن يقرأ أحدنا: إنني أنا الله لا إله إلا أنا [طه: 14] الآية، ومثله ليس من الكذب والمعصية في شيء، نعم لغرض الامتحان يذكر على وجه لا يتميز الحكاية، والله تعالى أعلم .

* " ويضرب ": على بناء الفاعل .

* " فأكون أول من يجيز ": أي: من الرسل; كما في رواية البخاري .

* " وبها ": أي: في جهنم .

* " كلاليب ": جمع كلوب - بفتح الكاف وضم اللام المشددة - : هي الخطاطيف .

* " مثل شوك السعدان ": في الكثرة، وهو نبت له شوك .

* " الموبق ": - بفتح الباء الموحدة - ; أي: المهلك .

* " المخردل ": - بفتح الدال المهملة - ; أي: المجعول كالخردل .

* " ثم يعجو ": هكذا في نسخ "المسند"، وفي رواية البخاري: "ثم ينجو"، وهو الصواب .

* " وأراد أن يخرج ": من الإخراج أو الخروج .

* " أثر السجود ": أي: العضو الذي كان يسجد به، وهي الأعضاء السبعة .

* " قد امتحشوا ": على بناء الفاعل; أي: احترقوا واسودوا، وقيل: على بناء المفعول. [ ص: 302 ] * " فيصب ": على بناء المفعول .

* " فينبتون ": على بناء المفعول; من نبت، أو على بناء المفعول; من أنبت .

* " الحبة ": - بكسر الحاء المهملة - : بزور الصحراء مما ليس بقوت .

* " في حميل السيل ": هو ما يحمله السيل من البزور والطين وغيرهما .

* " يقبل ": من الإقبال .

* " قد قشبني ": - بقاف وشين معجمة مخففة - ، قيل: كذا الرواية، والذي في اللغة التشديد; أي: أهلكني .

* " ذكاؤها ": - بفتح الذال والمد - ، قيل: وهو الأشهر رواية، والقصر أشهر لغة; أي: لهبها واشتعالها .

* " فلعلي إن أعطيتك. . . إلخ ": لعل ذلك لأنه كان في الدنيا غدارا، والله تعالى أعلم .

* " انفهقت ": بفاء وهاء وقاف - انفعال; أي: انفتحت واتسعت .

* " من الحبر ": بفتح مهملة وسكون موحدة - ; أي: النعمة .

* " أشقى خلقك ": أي: من أهل التوحيد .

* " حتى يضحك ": أي: يرضى، أو على وجه يليق به تعالى، مع السكوت عن بيان كيفية، وعليه أهل التحقيق، والله ولي التوفيق .

* " من كذا ": أي: من النوع الفلاني .

* " وعشرة أمثاله ": قيل: لعله صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بالمثل، ثم بعشرة أمثال، ولم يكن مفهوم المثل معتبرا، والله تعالى أعلم .

* * *




الخدمات العلمية