الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
7869 3859 - (7928) - (2 \ 294 - 295) عن عمر بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة: أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا، حتى إذ كانوا بالهدة، بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل، يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مئة رجل رام ، فاقتصوا آثارهم، حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، قالوا: نوى تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجؤوا إلى فدفد ، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا، وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت أمير القوم: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم. فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم، أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء لأسوة. يريد [ ص: 365 ] القتل، فجرروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه. فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بمكة، بعد وقعة بدر ، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا، حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها للقتل، فأعارته إياها، فدرج بني لها، قالت: وأنا غافلة، حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخده والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، قال: أتحسبين أني أقتله؟! ما كنت لأفعل ذلك. فقالت: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ، قالت: والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أركع ركعتين. فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزعا من القتل لزدت. اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا:

فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان لله مصرعيوذلك     في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو

ممزعثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث، فقتله، وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة. واستجاب الله عز وجل لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت، حين حدثوا أنه قتل، ليؤتى بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، [ ص: 366 ] فبعث الله عز وجل على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا.

التالي السابق


* قوله: " عن عمر بن أسيد ": - بفتح همزة وكسر مهملة - .

* " بني زهرة ": - بضم زاي وكسرها - .

* " عشرة رهط ": بالإضافة; أي: عشرة رجال هم رهط واحد، ومثله: وكان في المدينة تسعة رهط [النمل: 48 ]، في القرآن، والله تعالى أعلم .

* " عينا ": أي: جاسوسا، وفي بعض الروايات "عينا يتجسسون له"، وفي بعضها: "بعثهم عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش" .

* " وأمر ": - بتشديد الميم - .

* " ابن الأقلح ": بالقاف جد عاصم لأمه، واسمها جميلة .

* " بالهدة ": - بفتح هاء ودال مهملة مشددة بلا همزة - : موضع .

* " ذكروا حيا ": على بناء المفعول، ونصب "حيا" على نزع الخافض، والبخاري: " ذكروا لحي"، باللام .

* " لحيان ": - بكسر لام - ، وحكي - فتحها - .

* " فنفروا ": - بتخفيف الفاء، وتشدد - ; أي: بعثوا .

* " فاقتصوا ": - بقاف وتشديد صاد مهملة - ; أي: تبعوا، وفي نسخ: "فاقتفوا" - بالفاء المخففة موضع الصاد - * " لجؤوا ": بهمزة. [ ص: 367 ] * " إلى فدفد ": - بفتح الفاءين بينهما دال مهملة ساكنة، آخره دال أخرى - ; أي: موضع مرتفع .

* " وأعطونا بأيديكم ": علامة للدخول في الذمة .

* " في ذمة كافر ": أي: عهده .

* " اللهم أخبر عنا ": زاد الطيالسي عن إبراهيم بن سعد: فاستجاب الله تعالى لعاصم، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا، وسيجيء في رواية "المسند" أيضا .

* " بالنبل ": - بفتح نون وسكون موحدة - ; أي: السهام .

* " خبيب ": - بضم معجمة وفتح موحدة - .

* " ابن الدثنة ": - بفتح مهملة وكسر مثلثة وفتح نون - .

* " ورجل آخر ": اسمه عبد الله بن طارق .

* " قسيهم ": بكسر قاف وسين وتشديد ياء - جمع قوس .

* " أسوة ": - بضم همزة أو كسرها - ; أي: اقتداء .

* " فجرروه ": - بالجيم وتشديد الراء - .

* " فقتلوه ": قيل: كان قتله بمر الظهران، وقبره هناك .

* " فابتاع ": أي: اشترى .

* " خبيبا ": وقيل: اشترى ابن دثنة صفوان بن أمية، فقتله بأبيه، ذكره ابن سعد .

* " وكان خبيب هو قتل. . . إلخ ": قال الشرف الدمياطي: إن خبيبا هذا هو ابن عدي، لم يشهد بدرا والذي شهده، وقيل: الحارث هو خبيب بن يساف، [ ص: 368 ] ورد بأن الذي في "الاستيعاب ": و"أسد الغابة" أن خبيب بن عدي شهد بدرا، وزاد في "الاستيعاب": أن عقبة بن الحارث اشترى خبيب بن عدي، وكان قد قتل أباه. انتهى. قلت: وكذلك في "الإصابة" أيضا .

* " فلبث ": قيل: أخروه لانقضاء الأشهر الحرم، وأجمعوا قتله; أي: عزموا عليه .

* " موسى ": - بألف مقصورة في آخره - قيل: غير منصرف; لأنه على وزن فعلى، أو منصرف لأنه على وزن مفعل .

* " يستحد بها ": أي: يحلق بها شعر عانته .

* " فدرج ": - بالجيم، وفتحات، مخفف - ; أي: ذهب ومشى .

* " بني ": بالتصغير .

* " أتاه ": أي: أتى الصبي خبيبا .

* " فوجدته ": على صيغة المؤنث للغائب، ويحتمل التكلم، وضميرالمفعول للولد، أو خبيب .

* " مجلسه ": اسم فاعل من الإجلاس; أي: مجلس الولد .

* " فزعت ": - بكسر الزاي - .

* " أتخشين؟ ": - بفتح الشين - ، والهمزة للاستفهام .

* " قطفا ": - بكسر القاف - : عنقودا، وجاء في رواية: "قطفا من عنب مثل رأس الرجل". [ ص: 369 ] * " رزقه الله خبيبا ": كرامة له، والكرامة ثابتة للأولياء كالمعجزة للأنبياء، فركع ركعتين في موضع مسجد التنعيم، فصارت الركعتان سنة الأسير إذ قتل .

* " أن ما بي جزعا ": هكذا في نسخ "المسند" - بالنصب - ، وكأنه مبني على أن "ما" زائدة مثل: عما قليل، وفي البخاري: جزع - بالرفع - ، وهو الظاهر .

* " لزدت ": على الركعتين .

* " أحصهم ": بقطع همزة; أي: أهلكهم بحيث لا يبقى منهم واحد .

* " بددا ": بفتحتين - ; أي: متفرقين .

* " ولا تبق ": من الإبقاء .

* " حين أقتل ": على بناء المفعول .

* " وذلك ": أي: القتل .

* " في ذات الإله ": أي: في وجهه تعالى، وطلب رضاه وثوابه .

* " شلو ": - بكسر المعجمة وسكون اللام - ; أي: جسد .

* " ممزع ": - بفتح الزاي المشددة والعين المهملة - ; أي: مقطع .

* " أبو سروعة ": - بكسر سين أو فتحها وسكون راء - .

* " حين حدثوا ": على بناء المفعول من التحديث .

* " يعرف به ": كرأسه .

* " مثل الظلة ": - بضم المعجمة وتشديد اللام - .

* " من الدبر ": - بفتح فسكون - : كور النحل أو الزنابير .

* " فحمته ": حفظته .

* * *




الخدمات العلمية