الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
8035 3976 - (8096) - (2 \ 310 - 311) عن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت ، وهو جد عاصم بن عمر، فانطلقوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بين عسفان ومكة نزولا، ذكروا لحي من هذيل، يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مئة رجل رام ، فاقتصوا آثارهم، حتى نزلوا منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من تمر المدينة، فقالوا: هذا من تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما أحسهم عاصم بن ثابت وأصحابه، لجؤوا إلى فدفد ، وجاء القوم فأحاطوا بهم، وقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلا. فقال عاصم بن ثابت : أما أنا، فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا رسولك. قال: فقاتلوهم، فرموهم، فقتلوا عاصما في سبعة نفر ، وبقي خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق إن [ ص: 437 ] نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم، حلوا أوتار قسيهم، فربطوهم فيها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم، فجروه، فأبى أن يتبعهم، فضربوا عنقه، فانطلقوا بخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان قد قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا، حتى إذا أجمعوا قتله، استعار موسى من إحدى بنات الحارث ليستحد بها، فأعارته، قالت: فغفلت عن صبي لي، فدرج إليه حتى أتاه، قالت: فأخذه فوضعه على فخذه، فلما رأيته، فزعت فزعا عرفه، والموسى في يده، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل إن شاء الله. قال: وكانت تقول: ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، قد رأيته يأكل من قطف عنب ، وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله إياه. قال: ثم خرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين. فصلى ركعتين، ثم قال: لولا أن تروا ما بي جزعا من الموت، لزدت. قال: وكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: اللهم أحصهم عددا:

ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان لله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع

ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا على شيء منه.

التالي السابق


* قوله: " نزولا ": خبر لـ"كانوا"، وهو جمع نازل .

* " ذكروا ": على بناء المفعول .

* " من الدبر ": - بفتح فسكون - : النحل، وقيل: الزنابير، وقديم سبق الحديث مشروحا .

* * *




الخدمات العلمية