الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              السابع : في اشتراطه صلى الله عليه وسلم حضور بعض أصحابه

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني بسند جيد رجاله رجال الصحيح . وفيه انقطاع ، عن صهيب -رضي الله تعالى عنه- قال : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأتيته وهو في نفر جالس ، فقمت حياله ، فأومأت إليه فأومأ إلي ، وهؤلاء ، قلت : لا ، فسكت ، فقمت مكاني ، فلما نظر إلي أومأت إليه ، فقال : وهؤلاء ، قلت : لا ، مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا ، فقلت : نعم ، وهؤلاء ، وإنما كان شيئا يسيرا صنعته له ، فجاؤوا معه فأكلوا . وأحسبه قال : وفضل منه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيا وكان طيب المرق ، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه ، فقال : وهذه ؟ لعائشة ، فقال : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، فعاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذه ؟ قال : لا ، قال رسول الله : لا ، ثم عاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه ؟ قال : نعم ، في الثالثة ، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في امتناعه صلى الله عليه وسلم من الدخول في محل الضيافة لأمر شرعي

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي وابن ماجه عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء فرأى في البيت سترا فيه تصاوير فرجع ، وقال : إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي عن أبي عبد الرحمن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا أضاف علي بن أبي طالب ، فصنع له طعاما ، فقالت فاطمة : لو دعونا [ ص: 55 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معنا ، فأرسل ، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب ، فإذا قراما قد ضرب في ناحية البيت ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع ، فقالت فاطمة لعلي : اتبعه فقل له : ما رجعك ؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : فتبعته ، فقال : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : إنه ليس لي أو ليس لنبي أن يدخل بيتا مزوقا .


                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري وأبو داود عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيت فاطمة فوجد على بابها سترا موشيا . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والدارقطني من طريق عيسى بن المسيب ، قال الدارقطني : صالح الحديث ، حدثنا أبو زرعة عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ، ودونهم دور لا يأتيها ، فشق ذلك عليهم ، فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في داركم كلبا» ، قالوا : فإن في دارهم سنورا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «السنور سبع» .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : في وليمته -صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في رواية كريمة وأبو يعلى برجال الصحيح ، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بمدين من شعير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني من طريق جرول بن جيفل قال الذهبي : صدوق ، وقال ابن المديني : له مناكير ، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بقدر من هريس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال ثقات عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني وابن ماجه بسند جيد عن أسماء بنت يزيد بن السكن -رضي الله تعالى عنها- قالت : قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته لجلوتها ، فجلس إلى جنبها بعس لبن ثم ناولها ، فخفقت رأسها ، واستحيت فانتهرتها ، وقلت لها : خذي من يد [ ص: 56 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فشربت شيئا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أعطي تربك ، فقلت : يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه ، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه ، قالت : فجلست ثم وضعته على ركبتي ، ثم طفقت أديره ، وأتبعه بشفتي لأصيب منه مشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لنسوة عندي : ناوليهن ، فقلن : لا نشتهيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجمعن جوعا وكذبا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه قال : قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم ، ووصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس ، وزاد : قلت : بأي شيء ، يا أبا حمزة قال : تمر وسويق .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن سهل بن سعد -رضي الله تعالى عنه- قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق .

                                                                                                                                                                                                                              عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : لما دخلت صفية بنت حيي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاطه حضرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا عن أمكم ، فلما كان من العشي حضرنا ونحن نرى أن ثم قسما فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف من تمر عجوة ، فقال : كلوا من وليمة أمكم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة . ورواه مسلم بلفظ : ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب ، فقال ثابت : بم أولم ؟ قال : أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان وأبو يعلى عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي ، فقال : من كان عنده فضل زاد فليأتنا به ، فجعل الرجل يأتي بفضل التمر ، وفضل السويق ، حتى جعلوا من ذلك سوادا حيسا ، وفحصت الأرض أفاحيص ، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ، وجيء بالأقط والسمن ، فشبع الناس من ذلك الحين وشربوا من حياض إلى جنبهم من ماء السماء .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليمة [ ص: 57 ] على صفية ثلاثة أيام ، وبسط نطعا جاءت به أم سليم ، عليه أقط وتمر ، وأطعم الناس ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                                                              العاشر : في حضوره صلى الله عليه وسلم أملاك رجال من أصحابه رضي الله تعالى عنهم

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال ثقات غير حازم مولى بني هاشم ، عن لمازة -وليس بابن زبار- عن معاذ -رضي الله تعالى عنه- قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاك رجل من أصحابه ، فقال : على الخير والبركة والألفة والطائر الميمون والسعة في الرزق ، بارك الله لكم ، دففوا على رأسه ، فجيء بالدف ، فضرب ، فأقبلت الأطباق عليها فاكهة وسكر ، فنشر عليه ، وكف الناس أيديهم ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ألا تنتهبون ؟ قالوا : يا رسول الله ، أولم تنه عن النهبة ؟ قال : إنما نهيتكم عن نهبة العساكر ، فأما العرسات فلا ، فجاذبهم وجاذبوه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية