الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

المستقبل للإسـلام

الدكتور / أحمد علي الإمام

خامسا: أحكام القنوت

1- مشروعية القنوت

القنوت، سنة مشروعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح، مستحب، بينما ذهب الشافعي إلى أنه سنة، [1] وقد أثبت الإمام البخاري ، سنية القنوت، ومشروعيته في الصلاة، حين بوب له في كتاب الوتر، من صحيحه، قال: (باب القنوت، قبل الركوع وبعده) ، وقد علق على ذلك صاحب: (فتح الباري في شرح صحيح الإمام البخاري) ، فقال: (أثبت بهذه الترجمة- أي عنوان الباب- مشروعية القنوت، إشارة إلى الرد على من روي عنه أنه بدعة، كابن عمر .. وفي الموطأ عنه، أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات، ووجه الرد عليه، ثبوته من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو مرتفع عن درجة المباح) [2]

2- وقت القنوت

(أ) صلا الصبح، وهو مذهب مالك ، والشافعي [3] للحديث الصحيح فيه، عن أنس رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قنت شهرا يدعو عليهم، ثم ترك، فأما في الصبح، فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا ) ، وهو حديث صحيح، رواه جماعة من الحفاظ، وصححوه [4] [ ص: 101 ]

وقد احتج الشافعي على أن الصلاة الوسطى، الصبح، من حيث قرانها بالقنوت، في قوله تعالى: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) (البقرة: 238) .

(ب) وذهب أبو حنيفة ، وأحمد ، إلى أن وقت القنوت، هو الوتر، في جميع السنة [5] ، وقد نسب ابن قدامة هذا القول، لابن مسعود ، وإبراهيم ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي، وأنه رواية عن الحسن [6] ..وفي رواية عن أحمد ، أن وقته الوتر، في النصف الأخير من رمضان، وقاله ابن قدامه . وعن أحمد في رواية أخرى، أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، وروي ذلك عن علي ، وأبي ، وبه قال ابن سيرين ، وسعيد بن أبي الحسن ، والزهري ، ويحيى بن ثابت ، ومالك ، والشافعي ، واختاره أبوبكر الأثرم ، لما روي " عن الحسن : (أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين ركعة، ولا يقنت إلى في النصف الثاني " [7] " وعن ابن عمر : (أنه لا يقنت، إلا في النصف الأخير من رمضان " . وعنه: لا يقنت في صلاة بحال [8]

3- مذاهب العلماء في القنوت في الصلوات الخمس

(أ) في الصلوات الخمس، إن نزل بالمسلمين نازلة (وهو قول للشافعي) [9] (ب) في الصلوات الخمس مطلقا، كما قال قوم [10] (ج) عدم القنوت مطلقا، في غير صلاة الصبح [11] [ ص: 102 ]

والصحيح الذي قام عليه الدليل، من هدي النبوة، مشروعية قنوت النوازل، في الصلوات الخمس، ويكون الدعاء فيها جهرا، بعد الرفع من الركوع [12] ويدل على القنوت، عند النوازل، في الصلوات الفرائض كلها، حديث ابن عباس ، قال: ( قنت الرسول صلى الله عليه وسلم ، شهرا متتابعا في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده، من الركعة الأخيرة: يدعو عليهم، على حي من بني سليم، وعلى رعل، وذكوان، وعصية، ويؤمن من خلفه ) [13]

4- القنوت في شهر رمضان

(أ) يستحب القنوت، في النصف الأخير من شهر رمضان، وقيل في النصف الأول منه، في الركعة الأخيرة من الوتر [14] وهو مذهب الشافعية .

(ب) أو في جميع رمضان، على قول للشافعية.. ونسبه الإمام النووي ، إلى الإمام مالك [15]

5- محل القنوت في صلاة الصبح

(أ) قبل الركوع، في الركعة الأخيرة، وهذا مذهب مالك ، وقد ذكر الشيخ أبو الحسن، صاحب: كفاية الطالب الرباني، شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، أن ظاهر كلام ابن أبى زيد القيرواني- أن القنوت- بعد الركوع أفضل، ونسب هذا القول إلى حبيب، وأن المشهور أن القنوت، قبل الركوع أفضل، لكونه أصح، وأضاف الشيخ [ ص: 103 ] علي الصعيدي، صاحب حاشية العدوي، أنه مع كونه أصح قبل الركوع، فلما فيه من الرفق بالمسبوق، ولأنه الذي استقر عليه عمر رضي الله عنه ، بحضور الصحابة

وروى محمد بن نصر ، من طريق أخرى، عن حميد ، " عن أنس : (أول من فعل القنوت، قبل الركوع، أي دائما، عثمان، لكي يدرك الناس الركعة " .. وفي صحيح البخاري بلفظ: " سأل رجل أنسا، عن القنوت، بعد الركوع، أو عند الفراغ من القراءة؟ قال: لا، بل عند الفراغ من القراءة "

(ب) بعد الرفع من الركوع، وهو مذهب الشافعي

وتحقيق المقال، في هذا الموضع، أن الأمر، واسع في كل القنوت، قبل الركوع، أم بعده، ويدل على ذلك، حديث ابن ماجه ، " عن أنس أنه سئل عن القنوت، فقال: (قبل الركوع، وبعده " .. وقال ابن حجر العسقلاني : (إسناده قوي) - ومجموع ما جاء عن أنس بن مالك ، في ذلك، يدل على أن القنوت، للحاجة، بعد الركوع، لا خلاف فيه عنه في ذلك، وأما لغير الحاجة، فالصحيح، أنه قبل الركوع. وقد اختلف عمل الصحابة، في ذلك، والظاهر، أنه من الاختلاف المباح [ ص: 104 ]

6- محل القنوت في الوتر

في موضع القنوت في الوتر، أوجه:

(أ) أنه قبل الركوع، أي بعد القراءة، وقبل التكبير.

(ب) الصحيح المشهور، أنه بعد الركوع، ونص عليه الإمام الشافعي .

(ج) يتخير بينهما

وذهب بعض الفقهاء، إلى أنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قنت في الوتر، إلا في حديث ابن ماجه ، ( عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يوتر، ويقنت قبل الركوع )

7- محل القنوت في النوازل

بعد الرفع من الركوع جهرا

وفي بيان الحكمة، من جعل القنوت في النوازل، بعد الرفع من الركوع جهرا، يقول ابن حجر العسقلاني:

وظهر لي، أن الحكمة في جعل قنوت النازلة، في الاعتدال، دون السجود، مع أن السجود مظنة الإجابة، كما ثبت: (أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد) ، وثبوت الأمر بالدعاء فيه: أن المطلوب من قنوت النازلة، أن يشارك المأموم الإمام، في الدعاء، ولو بالتأمين، ومن ثم، اتفقوا على أنه يجهر به، خلاف القنوت، في الصبح، فاختلف في محله، وفي الجهر به [ ص: 105 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية