الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

المستقبل للإسـلام

الدكتور / أحمد علي الإمام

الخلاصة

* وهي إيجاز ما انتهت إليه هذه الدراسة، في القنوت، وأحكامه، وآدابه، وهو اختيارنا، ولا بد من الرجوع لما فصلته من أحكام قنوت النوازل، وخاصة ذكر دواعيه، في حياتنا المعاصرة اليوم، في وجه التحديات القائمة، والأخطار.. وإنه لمن النوازل حقا، عدم اعتبار المسلمين لذلك، وعدم انتباههم، ومعرفتهم إلى أن ما حل بالمسلمين في مشارق الأرض، ومغاربها، يستدعي قراءة النوازل كما في فصل هذا الفصل.

* تدور معاني القنوت، على الطاعة، والاستجابة، والاستكانة، والخضوع، والخشوع، والإقرار بالعبودية، ثم تأتي بمعنى الطاعة عامة، والطاعة لله عز وجل ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، والطاعة في سكون، والطاعة في خشوع، والخشوع في الصلاة، وطول الركوع في الصلاة.. وعليه، فالقانت هو الخاشع في صلاته، الذي يطيل في صلاته، وركوعه.

* والقنوت، سنة مشروعة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب، فيما ذهب الشافعي إلى أنه سنة. وقد أثبت الإمام البخاري سنية القنوت، ومشروعيه في الصلاة، حين بوب له في كتاب الوتر، من صحيحه، قال: (باب القنوت قبل الركوع، وبعده) ، وقد علق على ذلك صاحب (فتح الباري) فقال: أثبت بهذه الترجمة- أي عنوان الباب- مشروعية القنوت، إشارة إلى الرد على من روي عنه، أنه بدعة كابن عمر .

* وقت القنوت

في صلاة الصبح، وهو مذهب مالك، والشافعي، للحديث الصحيح ( عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قنت شهرا، يدعو عليهم، ثم ترك، فأما في الصبح، فلم يزل يقنت، حتى فارق الدنيا ) . [ ص: 117 ]

وذهب أبو حنيفة ، وأحمد ، إلى أن وقت القنوت، هو الوتر في جميع السنة..وفي رواية عن أحمد، أن وقته الوتر، في النصف الأخير من رمضان.. والصحيح الذي قام عليه الدليل من هدى النبوة، مشروعية قنوت النوازل، في الصلوات الخمس، ويكون الدعاء فيه جهرا، بعد الرفع من الركوع.

* محل القنوت في صلاة الصبح

قبل الركوع، في الركعة الأخيرة، وهذا مذهب مالك .. قال الشيخ على الصعيدي ، صاحب حاشية العدوي: إنه مع كونه أصح قبل الركوع، لما فيه من الرفق بالمسبوق، لأنه الذي استقر عليه عمر رضي الله عنه ، بحضور الصحابة، وماجاء عن أنس في ذلك، يدل على أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف فيه عنه، وأما لغير الحاجة، فالصحيح أنه قبل الركوع، وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح.

* محل القنوت في النوازل

بعد الرفع من الركوع، جهرا، وفي بيان الحكمة من جعل القنوت في النوازل بعد الرفع من الركوع جهرا، يقول ابن حجر العسقلاني : وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة، في الاعتدال، دون السجود، مع أن السجود مظنة الإجابة، كما ثبت (اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ، وثبوت الأمر بالدعاء فيه، أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام، ولو بالتأمين، ومن ثم اتفقوا على أن يجهر به، بخلاف القنوت في الصبح، فاختلف في محله، وفي الجهر به.

* يجوز الجمع بين الأدعية الواردة في القنوت، وغيرها، مع اختيار جوامع الدعاء، والإخلاص، ومراعاة الاعتدال في الدعاء، ومناسبته للقيام، وحال المصلين.

* يستحب رفع اليدين، في دعاء القنوت، ويستحب للمأموم أن يؤمن على الدعاء، لما روي ( أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يؤمن من خلفه ) . [ ص: 118 ]

* لا يعني ما ورد من تركه صلى الله عليه وسلم للقنوت، أكثر من أنه ترك الدعاء على الكفار، ولعنهم في قنوت النوازل، لنزول قوله تعالى: ( ليس لك من الأمر شيء ) ، كما نجد ذلك في نص الحديث.

* الإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف، أنه صلى الله عليه وسلم ، جهر، وأسر، وترك، وقنت، وكان إسراره أكثر من جهره.

* الأمر في القنوت، واسع، التزاما له في صلاة الفجر، أو الوتر، أو عند النوازل، كما سبق ذلك مع الأدلة، وبيان آراء الفقهاء.

نسأل الله تعالى أن يتقبلنا وقراء هذا الفصل، والمسلمين كافة، وأن يوفقنا أجمعين لما يحب، ويرضى، وأن يجعلنا من عباد الله المخلصين، القانتين، الخاشعين، المطيعين، العابدين، الراكعين، الساجدين، المسبحين، المفتقرين إليه جل جلاله ، والمفوضين أمرنا كله إليه تعالى، كما نسأله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يزيدنا علما. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

وصلى الله تبارك وتعالى، وسلم تسليما كثيرا، على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. [ ص: 119 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية