الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

المستقبل للإسـلام

الدكتور / أحمد علي الإمام

الحد.. في اللغة.. والاصطلاح

أولا: معنى كلمة (حد) في اللغة

الحد مفرد، وجمعه حدود، وترد كلمة الحد، في اللغة العربية، على عدة معان:

1- بمعنى الفصل بين الشيئين: لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر.. ومنتهى كل شيء حده، ومنه حدود الأرضين، وحدود الحرم.

2- بمعنى التمييز: وحدده: ميزه، وحد كل، منتهاه، لأنه يرده، ويمنعه عن التمادي.

3- بمعنى المنع: وحد الرجل عن الأمر، يحده حدا: منعه، وحبسه، تقول: حددت فلانا عن الشر، أي منعته.

4- بمعنى المخالفة، والمعادة، والمحادة: المعادة، والمخالفة، والمنازعة، وهو مفاعلة من الحد، كأن كل واحد منهما يجاوز حده إلى الآخر. [ ص: 129 ]

5- بمعنى الحلال، والحرام:

وحدود الله تعالى، التي بين تحريمها، وتحليلها، وأمر ألا يتعدى شيء منها، فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها، أو نهي عنه منها، ومنع من مخالفتها، قال الأزهري : فحدود الله عز وجل ضربان:

ضرب منها: حدود حدها الناس، في مطاعمهم، ومشاربهم، ومناكحهم، وغيرها، مما أحل وحرم، وأمر بالانتهاء عما نهى عنه منها، ونهى عن تعديها.

والضرب الثاني: عقوبات، بأن جعلت لمن ارتكب ما نهي الله عنه، كحقد السرقة، وكحد القاذف، لأنها تحد، أي تمنع من إتيان ما جعلت عقوبات فيها.

وسميت الأولى حدودا، لأنها نهايات، نهي الله عن تعديها.

قال ابن الأثير : فكأن حدود الشرع، فصلت بين الحلال، والحرام، فمنها ما لا يقرب، كالفواحش المحرمة، ومنه قوله تعالى: ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) (البقرة: 187) ، ومنها ما لا يتعدى، كالمواريث المعينة، وتزوج الأربع، ومنه قوله تعالى: ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) (البقرة: 229) .

ومنها الحديث- في قول ماعز - إني أصبت حدا فأقمه علي، أي أصبت ذنبا، أوجب علي حدا، أي عقوبة [1] وفي حديث أبي العالية ، أن اللمم- الوارد في الآية: ( إلا اللمم ) (النجم: 32) - ما بين الحدين، حد الدنيا، وحد الآخرة، يريد بحد الدنيا: ما تجب فيه الحدود المكتوبة، كالسرقة، والزنا، والقذف. ويريد بحد الآخرة: ما توعد الله تعالى عليه العذاب، كالقتل، وعقوق الوالدين، وأكل الربا.. فأراد أن اللمم من الذنوب، ما كان بين هذين، فيما لم يوجب عليه حدا في الدنيا، ولا تعذيبا في الآخرة. [ ص: 130 ]

ثانيا: معنى الحد في الاصطلاح

الحد، عقوبة مقدرة لأجل حق الله، فيخرج التعزير، لعدم تقديره، أو القصاص، لأنه حق آدمي [2] وسميت عقوبات المعاصي، حدودا، لأنها تمنع العاصي، من العود إلى تلك المعصية، التي حد لأجلها، في الغالب [3] قال ابن حجر العسقلاني : وقد حصر بعض العلماء، ما قيل بوجوب الحد به، في سبعة عشر شيئا، فمن المتفق عليه: الردة، والحرابة- ولم يتب قبل القدرة عليه-، والزنا، والقذف، وشرب الخمر- سواء أسكر أم لا - والسرقة [4] وقد ذهب ابن رشد ، إلى إطلاق كلمة الحد، على كل العقوبات المقدرة، في الكتاب والسنة، حيث يقول: (الجنايات، التي لها حدود مشروعة، جنايات على الأبدان، والنفوس، والأعضاء، وهي المسماة، قتلا، وجرما.. وجنايات على الزوج، وهي المسماة، زنا، وسفاحا، وجنايات على الأموال...) [5] هذا، ويتبين مما سبق، أن الحدود كانت تطلق بتوسع، حتى بلغ بعض الفقهاء، بمعناها الاصطلاحي، ما أشار إليه ابن حجر العسقلاني ، في قوله المتقدم.. أما جمهور الفقهاء، فقد اتفقوا على الحدود الخمسة التالية: السرقة، والحرابة ، والزنا، والقذف، والخمر، واختلفوا فيما سواها. [ ص: 131 ]

العقوبات الحدية

وهي سبع عقوبات:

1- الجلد، ودليله:

(أ) قوله تعالى: ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )

(النور: 2) .

(ب) وقوله تعالى: ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) (النور: 4) .

(ج) لما صح في السنة، من جلد شارب الخمر، وهكذا فعل الخلفاء الراشدون.

2- القطع:

ودليله، قول الله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) (المائدة: 38) .

3- القتل.

4- الصلب.

5- القطع من خلاف.

6- النفي.

ويدل على ذلك قوله تعالى: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم [ ص: 132 ] وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) (المائدة: 33-34) .

7- الرجم، وقد ثبت بالسنة النبوية الصحيحة.

التالي السابق


الخدمات العلمية