الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

المستقبل للإسـلام

الدكتور / أحمد علي الإمام

توجيه الصراع الحضاري

قدر الله أن نكون أمة الرسالة الخاتمة، ولذلك فإن أعدى من عادانا، في الماضي، هم أهل الكتاب، ومن والاهم على هذه المعاداة، ممن قادوا حملات الحروب الصليبية، من العواصم الأوربية، على المسلمين، وهكذا كانت بداية الغرب في اتصاله بالعالم الإسلامي، عن طريق المواجهات العسكرية أولا، ثم الإدارة الاستعمارية، أو الاستخرابية ثانيا، فأصاب المسلمين من جراء ذلك غزو عسكري سياسي، واستغراب فكري ثقافي، واجتماعي، ونهب اقتصادي.

ثم لما نهض المسلمون، وبدأوا مسيرة العودة إلى الجذور، عاد خصومهم للحرب [ ص: 48 ] العدوانية، بأوهى الأسباب والحجج، وبمعايير مزدوجة في التعامل، خاصة بعد اختفاء التحدي الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي ، في مواجهة أمريكا ، زعيمة النظام الرأسمالي.

وقد صارت هذه القوة العسكرية، هي سبيل الحضارة الغربية الأوحد في إسكات صوت المسلمين، إن طلبوا رقيا، أو سعوا إلى الالتزام بشريعتهم، أو أرادوا إصلاح حالهم، أو تحرير قرارهم، أو تصحيح انتمائهم، وذلك بعد ما كانت من قبل تستخدم قوتها الاقتصادية، ومعوناتها، وقمحها، في فتنة المسلمين، وصدهم عن سبيل الله.

هذه العلاقة بيننا وبين الغرب، علاقة متخلفة في الحوار الفكري، والصراع الحضاري، لذلك قد يكون المطلوب: العمل على توجيه هذا الصراع، من صراع العسكر، وتحويله، إلى صراع الحوار.. نصرفهم عن علاقة الحمية والقتال، إلى علاقة التحاور، والجدال بالحسنى، فإن استطعنا ذلك، نكون قد حولنا صراع الحضارات، من التقاتل، والتحارب حول الموارد، ورغيف العيش، إلى صراع حول الثقافة والتحاور.

غير أن هذا التحويل، وهذا التوجيه، يتطلب منا أمورا عدة، لعل أهمها:

(أ) تحديد القضايا والموضوعات، التي يصب عليها، ويدور حولها، الحوار.

(ب) الاجتهاد في تجديد وتقويم الوسائل، التي نقيم بها الحجة عليهم.

(ج) أن نهتم بالمثال، والأنموذج الفعلي، لا أن نعتمد مجرد المقال.

(د) أن نكون عالمين بما لدى غيرنا، وخصوصا الدين المقارن، وقد سن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السنة، فيما أخرجه الإمام أحمد ( عن عدي بن حاتم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عدي أسلم تسلم، فقلت: إني من أهل دين، فقال: أنا أعلم بدينك منك، فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال نعم، ألست من الركوسية، [1] [ ص: 49 ] وأنت تأكل مرباع قومك؟ قلت: بلى، قال: هذا لا يحل لك في دينك. قلت: نعم. فلم يعد بعد أن قالها، فتواضعت لها. ) الحديث ... [2] .. وهو دال على أن العلماء المسلمين، ينبغي أن يكونوا أعلم بما عند المخالفين، وخاصة من ابتلى بهده المهمة.

(هـ) إعداد دعاة منا ممن عاش في الغرب، وعرف لغاتهم، ومصطلحاتهم، وطرائقهم في التفكير، ومداخلهم في التعامل، ليؤدوا مهمة الحوار، والتواصل الثقافي والحضاري.

(و) أهمية إعداد العدة، وامتلاك القوة، والتقدم العلمي، والتفرد الحضاري، والتمييز الأخلاقي، لنفرض على (الآخر) احترامنا، حتى يسمع كلامنا، بعد إزاحة العوائق التي يضعها بيننا وبينه، بل بيننا وبين قومنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية