الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

المستقبل للإسـلام

الدكتور / أحمد علي الإمام

صفات أهل الذكر

أهل الذكر هم المسبحون، الحامدون، التالون، المصلون، المقيمون لشعائر الله، وشرائعه، وهم المحبون لله تعالى، والمحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذين يحبون إخوانهم في الدين، وهم المستجيبون لأمر ربهم، بالإكثار من ذكره تعالى.

قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا ) (الأحزاب: 41-42) ، وقد جاءت هذه الآية، في سياق إثبات ختم النبوة والرسالة، لخاتم الأنبياء والمرسلين: ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ) (الأحزاب: 40) .. وفي الذكر إشارة واضحة، إلى أن الذكر صفة ملازمة لنبينا صلى الله عليه وسلم ، وأنه جاء بالذكر ... . ذاكرا، ومذكرا.

وفيها من لطائف الإشارات، أنها جاءت على رأس الأربعين آية من سورة الأحزاب، الموافقة لسن النبوة، عند نزول الوحي.

وقال تعالى: ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) (الأحزاب: 35) .

وهذه الآية جاءت في سياق الأمر بذكر الله، وتلاوة كتابه، وإحسان الفقه في القرآن، علما، وعملا، مع إخلاص الإسلام، والإيمان، وصدق للدين، والصبر، والخشوع، والإنفاق، والتصدق، والصيام، والعفاف، قال تعالى: ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا * إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) (الأحزاب: 34-35) [ ص: 67 ] وقال تعالى: ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) (العنكبوت: 45) ، أي ذكر الله لكم بالثواب، والثناء عليكم، أكبر من ذكركم له في عبادتكم، وصلواتكم.. قال معناه ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو الدرداء ، وأبو قرة ، وسلمان ، والحسن ، وهو اختيار الطبري [1] .. وثواب ذكر الله، هو أن يذكره الله تعالى، كما في الحديث القدسي: ( من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) . [2] والذكر النافع، هو ما كان مع العلم، وإقبال القلب، وتفرغه إلا من الله، وأهل الذكر، قد باعوا لله أنفسهم، وزكوا أنفاسهم في سبيل مرضاته، فما يقعدهم عن الجهاد شيء.. كيف لا وهم المتحققون بالتوبة، والعبادة الخالصة لله، وهي العبادة الجامعة لأركان الإسلام، وسهامه، وشعائره، وشرائعه، بالتوحيد الخالص، والصلاة الخاشعة، والإحسان في إيتاء الزكاة، وصيام رمضان والحج، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمحافظة على حدود الله تعالى، والدعوة إليه جل جلاله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم * التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) (التوبة: 111-112) ، وقد ورد وصف المؤمنين من أهل الذكر، في [ ص: 68 ] سياق الجهاد، في صدر سورة الأنفال التي تسمى أيضا سورة الجهاد، وسورة بدر: ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين * إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) (الأنفال: 1-4) . وذلك ليطهروا نفوسهم، عن الاشتغال بالاختلاف حول المغانم، ولتتعلق هممهم بالفردوس الأعلى، وليتحققوا الإيمان الكامل.

الجهاد وصدق الإيمان

ثم إنه لا يكون صدق الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والاستقامة على دين الله، وأمره، إلا بالجهاد في سبيله تعالى، بالمال، والنفس، مصدقا لقوله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) (الحجرات: 15) .

جهـاد النفس

ولا يكون جهادنا في ساحات القتال، إلا ونحن نجاهد أنفسنا جهادا عظيما، حتى نتخلى عن رغائب الدنيا، وجواذبها الأرضية، ومن لم يجاهد نفسه، لم ينتصر عليها، فيخرج مقاتلا للعدو الخارجي: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) (البقرة: 216) ، وبجهاد النفس، يصير ما تكرهه حبيبا إليها، حتى القتال، ومبارزة العدو، وتعريض النفس للخطر، وحينئذ فالمجاهدون لا يفرغون من غزوة، إلا وأعدوا أنفسهم لما بعدها، ولولا هذه الروح الدافعة، والسر العظيم في الجهاد، [ ص: 69 ] ما بلغوا في وجيز من الزمان مشارق الأرض ومغاربها. وفي بيان المقام العظيم لجهاد النفس ( يقول صلى الله عليه وسلم : المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل ) [3]

التالي السابق


الخدمات العلمية