الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

المستقبل للإسـلام

الدكتور / أحمد علي الإمام

سابعا: آداب وأحكام

1- صيغة دعاء القنوت

(أ) يستحب أن يدعو الإمام بصيغة الجماعة.

(ب) ويكره أن يخص نفسه بالدعاء، لما في سنن أبي داود ، والترمذي ، ( عن ثوبان رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يؤم عبد قوما، فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم ) [1] [ ص: 111 ]

2- رفع اليدين في دعاء القنوت

يستجيب رفع اليدين في دعاء القنوت، لما صح ( عن أنس ، رضي الله عنه ، في قصة القراء، الذين قتلوا رضي الله تعالى عنهم، قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلما صلى الغداة يرفع يديه، يدعو عليهم، يعني على الذين قتلوهم ) ، قال البيهقي : ولأن عددا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، رفعوا أيديهم في القنوت. ثم روي " عن أبي رافع ، قال: (صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقنت بعد الركوع، ورفع يديه، وجهر بالدعاء " .

وفي مسح الوجه باليدين، قولان، ونسب النووي إلى البيهقي ، أن الصحيح عدم المسح، لأنه لم يحفظ فيه شيء عن أحد من السلف، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة،، فأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت فيه خبر، ولا أثر، ولا قياس

3- تأمين المأمومين

ويستحب للمأموم أن يؤمن على الدعاء، لما ( روى ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يؤمن من خلفه ) ، ويستحب له أن يشاركه في الثناء، لأنه لا يصح التأمين على ذلك، فكانت المشاركة أولى

4- القنوت بين الإجهار والإسرار

(أ) قال الشافعية : إن كان المصلي منفردا، أسر به، وهكذا، إن كان مأموما، ولم يجهر الإمام، قنت المأموم سرا، كسائر الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرا. [ ص: 112 ]

(ب) وإن كان إماما، جهر، على المذهب الصحيح المختار، الذي ذهب إليه الأكثرون.

(ج) وقيل: يسر، كسائر الدعوات في الصلاة.

(د) إن جهر صلاة الإمام بالقنوت، فإن كان المأموم يسمعه، أمن على دعائه، وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه قنت سرا.

(هـ) في غير صلاة الصبح، إذا قنت، فالمغرب، والعشاء كالصبح.

(و) والجهر بالقنوت في جميع الصلوات، مسنود بسنة صحيحة، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول الله تعالى: ( ليس لك من الأمر شيء ) (آل عمران: 128) ، ( عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، جهر بالقنوت في قنوت النازلة. )

5- القنوت بين الترك والاستمرار

لا يعني ما ورد من تركه صلى الله عليه وسلم للقنوت، أكثر من ترك الدعاء، واللعن على الكفار، في قنوت النوازل، بعد، ما نزل قوله تعالى: ( ليس لك من الأمر شيء )

ويدل على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مما أخرجه الإمام البخاري ( عن أبي هريرة ، أن رسول صلى الله عليه وسلم ، قنت في صلاة العتمة شهرا يقول في قنوته: (اللهم انج الوليد بن الوليد)

(اللهم انج سلمة بن هشام)

(اللهم انج عياش بن ربيعة)

(اللهم انج المستضعفين من المؤمنين)

(اللهم اشدد وطأتك على مضر)

(اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) . [ ص: 113 ]

قال أبو هريرة: وأصبح ذات يوم، فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له، فقال: أو ما تراهم قد قدموا )
[2]

يقول الإمام النووي ، في تأييد هذا المذهب: أما الجواب عن حديث أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما ، في قوله: (ثم تركه) ، فالمراد ترك الدعاء على أولئك الكفار، ولعنتهم فقط، لا ترك جميع القنوت، أو ترك القنوت في غير الصبح.. وهذا التأويل متعين، لأن حديث أنس، في قوله: (لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا) ، صحيح صريح، يجب الجمع بينهما. هذا الذي ذكرناه متعين للجمع، وقد روى البيهقي، بإسناده، عن عبدالرحمن بن مهدي الإمام، أنه قال: إنما ترك اللعن، ويوضح هذا التأويل، رواية أبي هريرة السابقة، وهي قوله: ( ثم ترك الدعاء لهم) .

والجواب عن حديث سعد بن طارق، أن رواية الذين أثبتوا القنوت، روي عنهم زيادة علم، وهم أكثر، فوجب، تقديمهم... [3]

6- رأي المنكرين استمرار القنوت، والتزامه في صلاة الصبح

والمنكرون للقنوت في صلاة الصبح، على سبيل الالتزام المستمر، يذكرون أنه كان قنوت النوازل، أو يئولونه بمعنى من معاني القنوت، وهو هنا، طول القيام بعد الركوع، ولم يكن طول القيام، مجرد سكوت، بل كان فيه الدعاء والثناء. والمراد بالدعاء هنا، مطلق الدعاء، لا دعاء القنوت المحفوظ. بل كان فيه الثناء على الله تعالى، وتمجيده والدعاء.. وقد انتصر لهذا الرأي، ابن قيم الجوزية ، وتبعه الشوكاني ، فأيده في عدم الاستمرار في قنوت الصبح، وأنه مختص بالنوازل في الصلوات كلها، دون تخصيص [4] [ ص: 114 ]

7- الإنصاف والاعتدال في التزام القنوت في صلاة الصبح

ومع أن ابن القيم قد وقف مع المنكرين استمرار القنوت، والتزامه في صلاة الصبح، لكنه وقف موقف الاعتدال، والإنصاف، من مخالفيه في الرأي، حين لخص الهدي النبوي في القنوت فقال: [5] والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف، أنه صلى الله عليه وسلم ، جهر، وأسر، وقنت، وترك، وكان إسراره أكثر من جهره. وتركه القنوت أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل، للدعاء لقوم، والدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم، وجاءوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت، ولم يختص بالفجر، بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب، ذكره البخاري في صحيحه عن أنس [6] ثم خلص في بيان الهدي النبوي في القنوت، حيث قال: وكان هديه، القنوت في النوازل خاصة، وتركه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها، لأجل ما شرع فيها من التطويل، ولاتصالها بصلاة الليل، وقربها من السحر وساعة الإجابة، وللتنزل الإلهي، ولأنها الصلاة المشهودة، التي شهدها الله وملائكته، أو ملائكة الليل والنهار [7]

8- سعة الهدي النبوي في القنوت، فعلا وتركا

الأمر في القنوت، واسع أيضا، التزاما له في صلاة الفجر، أو الوتر، أو عند النوازل، كما سبق بيان ذلك في الأدلة، مع عرضنا لأقوال الفقهاء، والمجتهدين، وقد أحسن صاحب [ ص: 115 ] (زاد المعاد في هدي خير العباد) ، حيث مدح الفقهاء من أهل الحديث، بأنهم أسعد بالهدي النبوي، من حيث إنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتركونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه.

ويقولون: فعله سنة، وتركه سنة، ومع هذا فلا ينكرون على من دوام عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعله مخالفا للسنة، كما لا ينكرون على ما أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعه، ولا تاركه مخالفا للسنة، بل من قنت فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن [8] ولعل هذا التسامح، هو الأقرب لسنة من وصفه ربه بالرأفة، والرحمة، في قوله تعالى: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) (التوبة: 128) ، من نجاه ربه، من أن يكون فظا غليظ القلب، حاشاه، بل كان خلقه القرآن، يعفو، ويصفح، ويستغفر لأمته، ويشاورهم في الأمر، فإذا عزم على إمضائه، فإنه يتوكل على الله تعالى، قال تعالى: ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) (آل عمران: 159) . [ ص: 116 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية