الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا من جاحد ، أو مماطل لحقه ، [ ص: 309 ] مخرج من حرز ، بأن لا يعد الواضع فيه مضيعا ، وإن لم يخرج هو ، أو ابتلع درا ، [ ص: 310 ] أو ادهن بما يحصل منه نصاب

التالي السابق


( ولا ) يقطع من سرق ( من ) مال غريم له ( جاحد ) لحقه الذي له عليه قدره ( أو ) من غريم مقر بما عليه له ( مماطل ) أي مؤخر لدفع ما عليه مع قدرته عليه وطلبه منه لأن له شبهة قوية في مالهما ، وظاهره سواء كان ما سرقه من جنس حقه أم لا ، وقيده بعضهم بكونه من جنسه وإلا فيقطع ، ونظر فيه المصنف ، ولذا أطلق هنا . البساطي القطع يحكم به الحاكم وهو لا يحكم إلا بالظاهر ، فكيف يعلم الحاكم أنه جاحد حتى ينتفي القطع ، وجوابه أن المسروق منه قال جحدته كذبا ويرجع للحق . ا هـ . لا يقال هذا مخالف لقوله سابقا ولو كذبه ربه لأن أخذ المال في هذه الصورة لم يقع على وجه السرقة ، بل على أنه ماله . اللقاني هذا الجواب غير ظاهر ، لأن المعنى لا يقطع من سرق من آخر نصابا ترتب له على صاحب الحرز ، وتعذر على السارق إحضار بينته بترتبه عليه ، وأقام المسروق منه عليه بينة بالسرقة وترتب على السارق القطع فأقام بينة أن المال له ، وأن المسروق منه جحده فيه ، وكذا يقال في المماطل ، فإن لم يقم بينة بالجحد أو المطل فإنه يقطع ولا يعتبر قول المسر ، ومنه جحدته أو ماطلته لاتهامه برحمته ، وهذه من أفراد قوله ولو كذبه ربه أفاده عب . البناني ها هو الصواب ، وعليه اقتصر ابن عاشر وغيره ، والله أعلم . [ ص: 309 ] ونعت طفل وربع دينار وثلاثة دراهم وما يساويها ب ( مخرج ) بضم فسكون ففتح ( من حرز ) بكسر فسكون ، أي محل حفظ وصوره ( ب ) ذي ( أن ) بفتح فسكون مخففا ( لا يعد ) الشخص ( الواضع ) المال فيه ( مضيعا ) بضم ففتح فكسر مثقلا ، أي مكان لا ينسب من وضع المال فيه لتعريضه للضياع إن خرج السارق من الحرز ، بل و ( إن لم يخرج هو ) أي السارق من الحرز ، ويختلف الحرز باختلاف المال والسارق فرب مكان حرز لمال وليس حرزا لمال آخر ولسارق دون آخر ، فمن وضع مالا بكوة ببيته فهي حرزه بالنسبة للأجنبي لا بالنسبة لولده وزوجته وخادمه . ابن عرفة الحرز ما قصد بما وضع فيه حفظه به إن استقل بحفظه أو بحافظ غيره إن لم يستقل . البناني أي بمكان من شأنه أن يقصد بما شأنه أن يوضع فيه حفظه إلخ ، ولا بد من إخراج النصاب منه ولو تلف عقب خروجه من الحرز أو احترق في نار ، وهو ما استحسنه اللخمي ، وإذا أخرجه منه ورده إليه قطع لتحقق السرقة .

قال في الذخيرة الشرط السادس أن يكون محرزا ، ومعناه أن يكون في مكان هو حرز لمثله في العرف والعادة ، وذلك يختلف باختلاف عادات الناس في إحراز أموالهم وهو في الحقيقة كل ما لا يعد صاحب المال في العادة مضيعا له بوضعه فيه . ا هـ . فالمعتبر خروج المال لا السارق ، ولا يشترط دخول الحرز ، فإن أدخل عصاه مثلا وأخرج بها نصابا قطع وسيأتي الإشارة بالعلف لشاة مثلا فتخرج فيقطع فيها لو أخذ في الحرز بعد أن ألقى المتاع خارجا منه فقد شك فيه الإمام مالك رضي الله تعالى عنه بعد أن قال يقطع وأنا أرى أن يقطع وشهره ابن الحاجب .

( أو ابتلع ) السارق في الحرز ( درا ) بضم الدال المهملة وشد الراء جمع درة ، أي لؤلؤا يساوي ثلاثة دراهم ، وكذا كل ما لا يفسد بابتلاعه كذهب وفضة وخرج من الحرز فيقطع ومفهوم درا أنه لو ابتلع فيه ما يفسده الابتلاع كالطعام والشراب وخرج فلا يقطع [ ص: 310 ] وهو كذلك ، وإن ضمنه وأدب في العتبية لو ابتلع دينارا في الحرز وخرج لقطع لأنه خرج به وهو شيء يخرج منه فيأخذه وقاله ابن رشد . ابن شاس إن ابتلع درة وخرج قطع . ابن عرفة لا أعرف هذا بهذا النص إلا للغزالي ، لكنه مقتضى المدونة . قلت لا فرق بين الدينار والدر وابتلاع الدينار منصوص في العتبية ، ولكن شأن الإنسان النسيان " غ " والبناني العجب من ابن عرفة كيف خفي عليه هذا ، حتى قال لا أعرفها بنصها إلا الغزالي ، واحتاج إلى تخريجها على ما في المدونة من دهن الرأس واللحية .

( أو ادهن ) بفتح الدال المهملة والهاء مثقلا السارق في ظاهر بدنه ( بما ) أي طيب كزبد ( يحصل ) أي يجتمع ( منه ) ما قيمته ( نصاب ) ثلاثة دراهم إذا سلت من بدنه فيقطع ، فإن كان لا يحصل منه نصاب فلا يقطع فيها إذا دخل السارق الحرز فأكل الطعام فيه وخرج فلا يقطع ويضمنه ، وإن دهن رأسه ولحيته في الحرز بدهن وخرج ، فإن كان ما في رأسه من الدهن إذا سلت بلغ ربع دينار قطع وإلا فلا يقطع .




الخدمات العلمية