الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 3529 ] حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي خالد الأصبهاني العدل ، قال سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن عمرو بن تمام ، حدثنا عثمان بن صالح ، حدثني ابن لهيعة ، أخبرني عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : بينما نحن عند عمر بن الخطاب في يوم يعرض فيه الديوان إذ مر به رجل أعمى أعرج قد عنى قائده ، فقال عمر حين رآه وأعجبه شأنه : من يعرف هذا ؟ فقال رجل من القوم : هذا من بني صنعاء بهلة بريق ، قال : وما بريق ؟ قال : رجل من اليمن - قلت زاد غيره فيه اسمه عياض - قال : أشاهد ؟ قال : نعم ، فأتي به عمر ، فقال : ما شأنك وشأن بني صبغاء ؟ فقال : إن بني صبغاء كانوا اثنا عشر رجلا ، وإنهم جاوروني في الجاهلية ، فجعلوا يأكلون مالي ، ويشتمون عرضي استنهيتهم فناشدتهم الله والرحم ، فأبوا فأمهلتهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعوت الله عليهم ، وقلت :


اللهم إني أدعوك دعاء جاهدا اقتل بني صبغاء إلا واحدا     ثم اضرب الرجل فذره قاعدا
أعمى إذا ما قيد عنى القائدا

فلم يحل الحول حتى هلكوا غير واحد ، وهو هذا كما ترى قد عنى قائده ، فقال عمر : سبحان الله ، إن في هذا لعبرة وعجبا! فقال رجل آخر من القوم : يا أمير المؤمنين ألا أحدثك مثل هذا وأعجب منه ؟ ، قال : بلى ، قال : فإن نفرا من خزاعة جاوروا رجلا منهم فقطعوا رحمه ، وأساؤوا مجاورته ، وإنه ناشدهم الله والرحم إلا [ ص: 343 ] أعفوه مما يكره ، فأبوا عليه ، فأمهلهم حتى إذا جاء الشهر الحرام دعا عليهم ، فقال :

اللهم رب كل آمن وخائف     وسامعا تهتاف كل هاتف
إن الخزاعي أتى بقاصف     لم يعطني حقي ولم يناصف
فاجمع لهم الأحبة الألاطف     بين القران السوء والنواصف
جمعهم جوف كربة راجف

قال : فبينما هم عند قليب ينزفونه ، فمنهم من هو فيه ، ومنهم من هو فوقه ، تهور القليب بمن كان عليه فصار قبورهم حتى الساعة .

فقال عمر : سبحان الله إن في هذه لعبرة وعجبا! فقال رجل من القوم آخر : يا أمير المؤمنين ، ألا أخبرك بمثل هذا وأعجب منه ؟ قال : بلى ، قال : إن رجلا من هذيل ورث فخذه الذي هو فيها حتى لم يبق منهم أحد غيره فجمع مالا كثيرا ، فعمد إلى رهط من قومه يقال لهم : بنو المؤمل ، فجاورهم ليمنعوه وليردوا عليه ماشيته ، وإنهم حسدوه على ماله ونفسوه ماله ، فجعلوا يأكلون من ماله ، ويشتمون عرضه ، وإنه ناشدهم الله والرحم إلا عدلوا عنه ما يكره ، فأبوا عليه فجعل رجل منهم يقال له رباح يكلمهم فيه ، ويقول : يا بني المؤمل ، ابن عمكم اختار مجاورتكم على من سواكم ، فأحسنوا مجاورته ، فأبوا عليه فأمهلهم حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليهم فقال :

اللهم زل عني بني المؤمل     وارم على أقفائهم بمنكل
بصخرة أو عرض جيش جحفل     إلا رباحا إنه لم يفعل

قلت : وفي رواية غيره بصخرة صماء أو بجحفل .

قال : فبينما هم ذات يوم نزول إلى أصل جبل انحطت عليهم صخرة من الجبل لا [ ص: 344 ] تمر بشيء إلا طحنته ، حين مرت بأبياتهم فطحنتها طحنة واحدة ، إلا رباحا الذي استثناه . فقال عمر : سبحان الله ، إن هذا لعبرا وعجبا! فقال رجل من القوم : ألا أخبرك يا أمير المؤمنين مثله وأعجب منه ؟ قال : بلى . قال : فإن رجلا من جهينة جاور قوما من بني ضمرة في الجاهلية ، فجعل رجل من بني ضمرة يقال له : ريشة يعدو عليه ، فلا يزال ينحر بعيرا من إبله ، وإنه كلم قومه فيه ، فقالوا : إنا قد خلفناه فانظر أن تقتله فلما رآه لا ينتهي أمهله حتى إذا كان الشهر الحرام دعا عليه فقال :


أصادق ريشة نال ضمره


أليس لله عليه قدره


أما يزال شارف أو بكره


يطعن منها في سواء الثغره


بصارم ذي رونق أو شفره


لاهم إن كان تعدى مخبره


فاجعل أمام العين منه حدره


تأكله حين يوافي الحفرة

فسلط الله عليه أكلة فأكلته حتى مات قبل الحول . فقال عمر : سبحان الله ، إن في هذا لعبرة وعجبا! وإن كان الله ليصنع هذا بالناس في جاهليتهم لينزع بعضهم من بعض ، فلما أتى الله بالإسلام أخر العقوبة إلى يوم القيامة وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه : ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ) .

و ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) .

وقال : ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ) .

[ ص: 345 ] قال أحمد : وهذا حديث قد رواه محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي عمن سمع عكرمة عن ابن عباس دون ذكر بني ضمرة ، وذلك يؤكد رواية ابن لهيعة

وروي من وجه آخر عن شهاب بن خراش ، عن نصير بن أبي الأشعث ، قال قسم عمر بن الخطاب قسما فنظر إلى رجل أعمى . . . فذكره .

ومن المناكير التي رويت في هذا الباب ما .

التالي السابق


الخدمات العلمية