الشريعة الإسلامية وحقوق الشعوب والأقاليم
وفي ظل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، تتحقق للشعوب حقوقها الجامعة .. وقد حكم القاضي المسلم لأهل سمرقند، بحق تقرير مصيرهم، لأنهم كانوا أدخلوا في سلطان الدولة، بالقوة، دون اختيارهم، ودون مراعاة أحكام الشريعة، القاضية بالتخيير، والإعلام، والإنذار، لأن استخدام القوة الجهادية، ليس في الواقع، إلا لرفع الإكراه، على اعتناق دين، أو على المنع منه.
كما يكفل نظام الحكم الإسلامي، حق الحكم الذاتي، مع حق التمييز الثقافي للأقاليم، التي يكون فيها غير المسلمين متحيزين في مكان يخصهم، ويباشرون بأنفسهم إدارة شئونهم، مع الاحتكام إلى محاكمهم، بما كان يجعلهم في حكم الأقاليم الآن، وهكذا كان الشأن مع نصارى نجران، الذين كانوا على عهد دولة المدينة، خارج حدودها، وجاءت اتفاقية المدينة تؤكد هذا المعنى [1] .. وهذا الاستثناء، ليس استثناء من الجريمة، بحيث يعد الفعل مباحا، بل وضعت عقوبات تعزيرية لهذه الجرائم، عدا الخمر والردة.. ولم يقفل الطريق أمام المسلم القوي، المتثبت في دينه، أن يطلب تطبيق الحدود عليه، بل إن هذا الحق، من المطالبة بالطوع، والاختيار، ثابت لغير المسلم.
والتأصيل الفكري لمبدأ استثناء غير المسلمين، من تطبيق أحكام الحدود، يعتمد على نص الآية الكريمة: ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) (المائدة: 42) [ ص: 157 ] .. وقد اختار الإمام الطبري هذا القول بالاستثناء، وأن الآية الكريمة محكمة [2]
الحقوق المدنية والسياسية
في ظل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فإن الحقوق المدنية، والسياسية مكفولة لكل مواطن، فيحق لكل فرد أن يملك، ويرث، ويبيع، ويشتري، ويرهن، ويكفل، ويهب، ويوصي، ويقف، ويتصرف، وفقا لمصلحته الشخصية.
حق العمل
يضمن الإسلام لكل أفراد المجتمع، العدالة في ممارسة العمل الشريف، والأجر المناسب، لأن ذلك كله من أداء الأمانات، والوفاء بالحقوق، والقيام بالعدل والإحسان، كما في قوله تعالى: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) (النساء: 58) ، وقوله عز وجل : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) (النحل: 90) ، ثم إن العمل في الفقه الإسلامي، ضروري، لسد حاجة المجتمع، وعمران الكون.. وفي حماية الشريعة الإسلامية للعاملين، وضمان الأجر العادل لهم، ورد قوله: صلى الله عليه وسلم أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه [3] وتطبيقا لذلك، فلغير المسلمين فرصة للعمل، وحرية التوظيف للوظائف العليا القيادية، في مناطقهم، والوسيطة، وغيرها، وقد بلغ بعض المؤرخين الغربيين، حد الإعجاب، في بيان ما لاحظه من كثرة العمال غير المسلمين في الدولة الإسلامية، حيث يقول: من الأمور التي نعجب لها، كثرة العمال والمصرفين غير المسلمين، في الدولة الإسلامية [4] [ ص: 158 ]
الضمان الاجتماعي
يقوم المجتمع الإسلامي، على التكافل، والتراحم، بين الناس جميعا، على مستوى الأسرة، والجيران، والحي، والمجتمع، يقول الله تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ) (النحل: 90) .. وفي التوجيهات النبوية في التراحم بين الناس كلهم: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، تبارك وتعالى، إرحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء ) [5] وفي حق الجيران، ( يقول صلى الله عليه وسلم : ليس المؤمن، الذي يشبع، وجاره جائع ) [6] وفي مسئولية الجيران، وأهل الحي، نحو المحتاجين، ( يقول: أيما أهل عرصة، بات فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله ) [7] .. وقد كان بيت المال، في عهد الخلافة الراشدة، يفرض للمواليد القوت، ثم توسع الأمر، حتى شمل الكسوة (كما يذكر البلاذري) [8] وتقوم الأوقاف الإسلامية، والمبرات الخيرية، والجمعيات الطوعية، بدور عظيم، يحقق التكافل، والترابط، والتراحم.
وأما الدولة، فلها الصناديق القومية للضمان الاجتماعي، والتكافل الاجتماعي لأرباب المعاشات، إلى جانب ديوان الزكاة، الذي يسع بمصارفه المتعددة، الأفراد، والمجتمع. [ ص: 159 ]