سادسا: حرية العمل:
ويعنى بها حق الإنسان في اختيار المهنة التي تناسبه والحرفة التي تلائمه؛ ولذا كان له العمل بالزراعة أو التجارة أو الصناعة وسائر الحرف والمهن ما لم يكن ذلك العمل محرما كصناعة المسكرات والمفترات ونحو ذلك [1] .
والعمل وإن كان معدودا من المباحات من وجه، فإنه من الواجبات من وجه آخر؛ لأن الاستقلال بالعبادة لا يتحقق إلا بإزالة ضروريات الحياة ومن ثم كانت إزالتها واجبة؛ لأن كل ما لا يتم الواجب إلا به فواجب كوجوبه.
ولذا قالوا: من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى، وأن من تعود على الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة (فحب الهوينا يكسب النصب) وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب لئلا تتعب، وقيل: إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت لم تصبر على الحق... وقال يزيد بن المهلب: ما يسرع أن كفيت أمر الدنيا كله لئلا أتعود العجز؛ ولأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية، فكل هيئة بل كل عضو ترك استعماله يبطل كالعين إذا غمضت، واليد إذا عطلت، ولذلك وضعت الرياضات في كل شيء [2] . [ ص: 48 ]
ولأهمية العمل اعتبر نوعا من الجهاد في سبيل الله، روى ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: "مر بهم رجل فتعجبوا من خلقه فقالوا لو كان هذا في سبيل الله فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على ولد صغار فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه ليغنيها فهو في سبيل الله ) [3] .