الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        الفرع الرابع: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة:

        روى البخاري بسنده أن عبيد الله بن زياد، عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة ) [1] ، قال تعالى: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) (النساء:58)، وقال عمر، رضي الله عنه: "إني أنـزلت نفسي من مال الله بمنـزلة والي اليتيم, إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت" [2] . [ ص: 57 ]

        هذا، وقد نص على هذه القاعدة ابن نجيم والسيوطي في أشبهاهما [3] والزركشي في المنثور [4] ؛ كما نصت عليها مجلة الأحكام العدلية في المادة (58) [5] ، وعبر عنها تاج الدين السبكي بلفظ "كل متصرف عن الغير، فعليه أن يتصرف بالمصلحة" [6] ، وصاغها الشافعي فقال "منـزلة الإمام من الرعية منـزلة الولي من اليتيم" [7] .

        ويعنى بها: أن صحة ولزوم تصرفات الراعي [8] على رعيته متوقف على تضمنها للمصلحة والمنفعة، فإن خلت منها فلا صحة ولا لزوم؛ لأنه مطالب بتحري المصلحة، وصيانة الحقوق، ولا يكون تصرفه تشهيا محضا غير مبني على مقتضى الأصلح في التدبير. ومن ثم كان أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، يسوي بين الناس في العطاء من بيت المال, وكان عمر، رضي الله عنه، يعطيهم على قدر الحاجة والفقه والفضل [9] . [ ص: 58 ]

        قال العز بن عبد السلام: "يتصرف الولاة ونوابهم بما هو أصلح للمولى عليه درءا للضرر والفساد، وجلبا للنفع والرشاد، ولا يقتصر أحدهم على الصلاح مع القدرة على الأصلح إلا أن يؤدي إلى مشقة شديدة, ولا يتخيرون في التصرف حسب تخيرهم في حقوق أنفسهم" [10] .

        وقال القرافي: اعلم أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة، أو درء مفسدة.. [11] .

        وقال ابن نجيم: تصرف القاضي فيما له فعله في أموال اليتامى، والتركات، والأوقاف مقيد بالمصلحة، فإن لم يكن مبنيا عليها لم يصح [12] .

        وعلى ذلك: تقرر وجوب اشتمال تصرفات رئيس الدولة والوزراء والقضاة والوصاة والولاة... ونحوهم على المصلحة، فإن خلت منها فلا اعتداد بها، ومن ثم ساغ الإشراف عليهم ومحاسبتهم بل والرقابة عليهم حتى لا ينفكوا عن المصلحة التي أنيطت تصرفاتهم بها.

        وبعد،

        فهذه القاعدة تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتوازن بين الحريات الشخصية والمصلحة العامة؛ لأن تدخل الحاكم هو فقط لتحقيق العدل بين الناس، وحفظ الحريات والتوازن في المجتمع. [ ص: 59 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية