الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث الأول: مفهوم الحرية، وقواعدها الفقهية

        المطلب الأول: التعريف بالحرية، وأنواعها:

        الفرع الأول: تعريف الحرية:

        الحرية في اللغة: هي اسم من حر، يحر إذا صار حرا، وحرره: أعتقه. والحر: الفعل الحسن، قال طرفة:


        لا يكن حبك داء قاتلا ليس هذا منك، ماوي

        [1] ، بحر

        (أي بفعل حسن) والحرة: الكريمة من النساء، قال الأعشى:


        حرة طفلة الأنامل ترتب     سخاما تكفه بخلال

        [2] .

        ويعود أصل هذا الاستخدام إلى ذلك الميل الإنساني العام في نسبة الصفات الذميمة للرقيق، والحميدة للأحرار من البشر [3] . قال الليث: الحر من الناس: خيارهم وأفاضلهم [4] . [ ص: 40 ]

        وقال ابن الملقن في حواشيه على منهاج النووي: "يذكر اللغويون أن لفظ "حر" مشتق من حر الذي هو ضد البرد؛ لأن الرجل الحر يمتلك كبرياء وأخلاقا حاثة تبعثه على طلب الأخلاق الحميدة. والعبد بخلاف ذلك" [5] .

        ومن حكم العرب المأثورة: "الحر من راعى وداد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة)، وقد ورد عن عائشة، رضي الله عنها، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ البيعة من النساء على أن لا يشركن بالله شيئا، ولا يقتلن أولادهن، ولا يزنين" فقالت هند بنت عتبة بن ربيعة: "أو تزني الحرة ؟" [6] .

        وحتى في الموت فالحر لا يرضى إلا بموت يليق بمكانته كما في قول مسلم بن عقيل بن أبي طالب الذي رفض الاستسلام دون قتال وأنشد:


        أقسمت لا أقتل إلا حرا     وإن رأيت الموت شيئا نكرا

        [7]

        فالخيار هنا ليس بين الحرية والموت ولكنه الخيار بين موت كريم هو موت الأحرار، وآخر وضيع هو موت العبيد.

        هذا، وقد تعددت تعريفات الحرية، أبرزها تعريف د. الدريني، بأنها: [ ص: 41 ] المكنة العامة التي قررها الشارع للأفراد على السواء، تمكينا لهم من التصرف على خيرة من أمرهم دون الإضرار بالغير.

        وهذا التعريف يستند على تعريف الأصوليين للإباحة التي تقوم في أصل تشريعها على التخيير بين الفعل والترك.

        وأما تعريفات الصوفية للحرية فأهمها تعريف الجرجاني بأنها: "الخروج عن رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار" [8] .

        وفي الفكر الغربي عرفها "جون لوك‏" بأنها تعني: القدرة والطاقة اللتان يوظفهما الإنسان لأجل القيام بعمل معين أو تركه [9] . كما عرفها "جون ‏استيوارت ميل"‏ بأنها: قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها، بحسب منظوره، شريطة أن لا تكون مفضية إلى إضرار الآخرين [10] . أما "كانت" فعرفها بأنها: استقلال الإنسان عن أي شي‏ء إلا عن القانون الأخلاقي [11] . وقيل هي: قدرة المرء على فعل ما يريده [12] . [ ص: 42 ]

        وبعد، فهذه التعاريف تدور حول قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه بإرادته الذاتية دون الإضرار بالآخرين، وهذا في إطار السلوك والتصرف.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية