الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث التمهيدي

        المطلب الأول: أهمية الحرية وأثرها على سلوك الفرد والجماعة

        أهمية الحرية:

        الحرية.. منحة إلهية، وحق طبيعي للإنسان لممارسة أعماله والقيام بوظائفه، قال تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم ) (الإسراء:70)؛ ولذا كان من الطبيعي أن يجعل الإسلام هذه الحقيقة أساسا مرجعيا في تشريعاته [1] ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوثق علاقة الإنسان بالله فهو مولاه وسيده، ويفك قيود عبوديته للبشر، قال تعالى: ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) (الأعراف:157)، لا سيما وقد جعل الله عز وجل الإيمان به سبيلا للتحرر والانفكاك عن الظلم والتسلط والاستبداد والتأله، ومن ثم فليس مستغربا أن تنحصر مهمة الأنبياء في العمل على تثبيت هذه الحقيقة وتجليتها وتمثلها في الواقع، فكانت قولتهم جميعا: ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) (الأعراف:65)، ومن هنا استقرت (لا له إلا الله) شعارا للإيمان، وميثاقا للتحرر والتحرير، ومحورا للتدين، وحدا فاصلا بين الإيمان والكفر [2] . [ ص: 33 ]

        ولعلنا قد ندرك -في ضوء ما سبق -مغزى قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن سورة الإخلاص: ( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ) [3] ، فهي عنوان للخلاص والحرية والانعتاق؛ لأن الإيمان بالله يحمي النفس، ويحصن الفكر، ويعتق الروح، ويحفظ القلب عن سلطان الطواغيت. ومن هنا قال الكواكبي: "وكفى بالإسلامية رقيا في التشريع، رقيها بالبشر إلى منـزلة حصرها أسارة الإنسان في جهة شريفة واحدة وهي (الله)، وعتقها عقل البشر عن توهم وجود قوة ما، في غير الله، من شأنها أن تأتي للإنسان بخير ما، أو تدفع عنه شرا ما" [4] .

        ومع ذلك جعـل الله عز وجل سبيل الإيمان به هو الاقتناع، وجعل وظيفة النبي هي البيان وعدم الإجبار، فقال تعالى في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم : ( نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) (ق:45)، ذلك أن أمر الاستجابة لهذا الخير من عدمه منوط بحرية الإنسان في الاختيار، قال تعالى: ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (الكهف:29) [5] . [ ص: 34 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية