الفرع الخامس: الناس مسلطون على أموالهم:
ومقتضى سلطنة الناس على أموالهم: عدم جواز أخذها من أيديهم وتملكها عليهم؛ لأن أموالهم مصونة لا يجوز لحاكم وغيره أن يتعرض لها بغير حق؛ وإلا فهو ظلم ظاهر، قاتل لروح العمل وفاعلية الإنجاز، ومؤذن بخراب العمران وفساد النوع البشري.
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) (النساء:29). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه" [1] . وقال أيضا: "سباب المسلم أخاه فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه ) [2] .
ومن الجدير بالذكر: أن الفقهاء لم ينصوا على هذه القاعدة في كتب القواعد، لكن توارد التعليل بها في كتب الفروع عند الشافعية [3] والحنابلة [4] ، والزيدية [5] والإمامية [6] . [ ص: 60 ]
وما دام الشخص مسلطا على ماله، فله التصرف فيه كيفما يشاء، وليس لأحد منعه من التصرف فيه أو الإثراء على حسابه بالسخرة أو بالخداع أو بالغصب أو نحو ذلك مما يعد أكلا لماله بالباطل.
وعلى ذلك: يجوز للمرأة في مالها -ما دامت رشيدة -مثل ما جاز للرجل في ماله; لقوله تعالى: ( فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم ) (النساء:6)، وبعد الدفع لها يبقى سلطانها على مالها سلطان الرجل على ماله لا يفترقان. ومن ثم لها أن تتصرف في مالها بطريق المعاوضة بدون إذن من أحد باتفاق الفقهاء [7] .
قال ربيعة: "لا يحال بين المرأة وبين أن تأتي القصد في مالها في حفظ روح أو صلة رحم, أو في مواضع المعروف, إذا لم يجز للمرأة أن تعطي من مالها شيئا, كان خيرا لها أن لا تنكح, وأنها إذا تكون بمنـزلة الأمة" [8] . [ ص: 61 ]
كما يجوز لها لو كانت متزوجة التصرف في كل مالها بالتبرع به عند جمهور الفقهاء من الحنفية [9] والشافعية [10] والحنابلة [11] ، والظاهرية [12] .
وقال الليث: لا يجوز لها ذلك مطلقا إلا بإذنه لا في الثلث ولا فيما دونه إلا الشيء التافه [13] . ووافقه مالك [14] وأحمد في رواية [15] فيما زاد على الثلث.
القول الراجح: هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء القائلون بصحة تبرع المرأة مطلقا دون توقف على إذن زوجها، ومن ثم كان لها حرية التصرف في مالها. بيد أن الأولى هو مشاورتها له تطييبا لخاطره ومحافظة على عشرته. [ ص: 62 ]