4724 ص: فلما كانوا قد اختلفوا في ذلك كما ذكرنا، وكلهم قد أجمع أن وإنما يعتق بحال ثانية، فقال بعضهم: تلك الحال أداء جميع المكاتبة. المكاتب لا يعتق بعقد المكاتبة،
وقال بعضهم: هي أداء بعض المكاتبة.
وقال بعضهم: يعتق منه بقدر ما أدى من المكاتبة.
ثبت أن حكم ذلك قد خرج من حكم المعتق على مال; لأن المعتق على مال يعتق بالقول قبل أن يؤدي شيئا، والمكاتب ليس كذلك; لإجماعهم على ما ذكرنا.
[ ص: 126 ] فلما ثبت أن المكاتب لا يستحق العتاق بعقد الكتابة، وإنما يستحق بحالة ثانية، نظرنا في ذلك وفي سائر الأشياء التي لا تجب بالعقود; وإنما تجب في حال آخر بعدها كيف حالها؟
فرأينا الرجل يبيع العبد بألف درهم، فلا يجب للمشتري قبض العبد بنفس العقد حتى يؤدي جميع الثمن، ولا يكون له قبض بعض العبد بأدائه بعض الثمن، وكذلك الأشياء التي هي محبوسة بغيرها مثل: الرهن المحبوس بالدين، وكل قد أجمع أن الراهن لو قضى المرتهن بعض الدين فأراد أن يأخذ الرهن أو بعضه بقدر ما أدى من الدين لم يكن له ذلك إلا بأدائه جميع الدين، فكان هذا حكم الأشياء التي تملك بأشياء إذا وجب احتباسها فإنما تحبس حتى يؤخذ جميع ما جعل بدلا منها.
فلما خرج المكاتب من أن يكون في حكم المعتق على المال الذي يعتق بالعقد لا بحال ثانية، وثبت أنه في حكم من يحبس لأداء شيء - ثبت أن حكمه في المكاتبة وفي احتباس المولى إياه كحكم المبيع في احتباس البائع إياه، فكما كان المشتري غير قادر على أخذه إلا بعد أداء جميع الثمن، كان كذلك المكاتب أيضا غير قادر على أخذ رقبته من ملك المولى إلا بأداء جميع المكاتبة.
فثبت بما ذكرنا قول الذين قالوا: لا يعتق من المكاتب شيء إلا بأداء جميع المكاتبة.
وهو قول ، أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.