الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5886 ص: وقد حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا الحسن بن صالح ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال: " لا ينتفع من الرهن بشيء". .

                                                فهذا الشعبي يقول هذا، وقد روى عن أبي هريرة، عن النبي -عليه السلام- ما ذكرنا، أفيجوز عليه أن يكون أبو هريرة يحدثه عن النبي -عليه السلام- بذلك، ثم يقول هو بخلافه ولم يثبت النسخ عنده؟! لئن كان ذلك كذلك فلقد صار متهما في رأيه، وإذا كان متهما في رأيه كان متهما في روايته، وإذا ثبتت له العدالة في روايته ثبتت له العدالة في ترك خلافها، فإن وجب سقوط أحد الأمرين وجب سقوط الآخر، والمحتج علينا بحديث أبي هريرة هذا يقول: من روى حديثا عن النبي -عليه السلام- فهو أعلم بتأويله، فكان يجيء على أصله، ويلزمه في قوله أن يقول: لما قال الشعبي ما ذكرنا مما يخالف ما روى عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام-: كان ذلك دليلا على نسخه.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر أثر الشعبي بإسناد صحيح.

                                                [ ص: 154 ] عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري ، عن الحسن بن صالح بن حي الكوفي العابد; شاهدا لما ذكره فيما مضى من عدم جواز انتفاع الراهن بالركوب والاستخدام وشرب اللبن ونحو ذلك; لأن عامرا الشعبي قال من رأيه: "لا ينتفع من الرهن بشيء".

                                                وهذا بعمومه يتناول الراهن والمرتهن، والحال أنه هو الذي روى عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مركوبا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا" ولا يجوز لمثل الشعبي أن يروي عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام- حديثا ثم يقول هو من رأيه بخلاف ذلك بدون ثبوت نسخ ذلك عنده، وذلك لأنه قد علم أن الراوي إذا ظهرت منه المخالفة قولا أو عملا، فإن كان ذلك بتاريخ قبل الرواية فإنه لا يقدح في الخبر، ويحمل على أنه كان ذلك مذهبه قبل أن يسمع الحديث، فلما سمع الحديث رجع إليه، وكذلك إن لم يعلم التاريخ; لأن الحمل على أحسن الوجهين واجب ما لم يتبين خلافه، وهو أن يكون ذلك منه قبل أن يبلغه الحديث ثم رجع إلى الحديث، وأما إذا علم ذلك منه بتاريخ بعد الحديث، فإن الحديث يخرج به من أن يكون حجة; لأن فتواه بخلاف الحديث، أو عمله من أبين الدلائل على الانقطاع، وأنه لا أصل للحديث، فإن الحال لا يخلو إما أن تكون الرواية تقولا منه لا عن سماع، فتكون واجبة الرد، أو تكون فتواه وعمله بخلاف الحديث على وجه قلة المبالاة والتهاون بالحديث فيصير به فاسقا لا تقبل روايته أصلا، أو يكون ذلك عن غفلة ونسيان، وشهادة المغفل لا تجوز فلا يكون حجة فكذلك خبره، أو يكون ذلك منه على أن علم انتساخ حكم الحديث، وهذا أحسن الوجوه، فيجب الحمل عليه؛ تحسينا للظن بروايته وعمله، فإنه روى على طريق إبقاء الإسناد، وعلم أنه منسوخ، فأفتى بخلافه.

                                                قوله: "أفيجوز عليه" أي على الشعبي، والهمزة في "أفيجوز" للاستفهام.

                                                [ ص: 155 ] قوله: "لئن كان ذلك كذلك" أي لئن كان جاز للراوي عن الصحابي، عن النبي -عليه السلام- بحديث أن يقول قولا بخلاف حديثه الذي رواه، فلقد صار متهما .... إلى آخره.

                                                قوله: "والمحتج علينا ...." إلى آخره إشارة إلى بيان إلزام هذا القائل بقوله، وكونه محجوجا بما قاله; لأنه لما قال: الراوي للحديث عن النبي -عليه السلام- أعلم بتأويل هذا الحديث كان يلزمه أن يقول: حديث الشعبي ، عن أبي هريرة هذا منسوخ لا يعمل به؛ لأنه لو لم يعلم بحاله لما قال بخلافه؛ إذ لا يجوز عليه أن يقول بخلافه بدون علمه بانتساخه، كما ذكرنا، فافهم. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية