الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5025 5026 ص: وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا قود إلا بالسيف.

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا سفيان الثوري ، عن جابر ، عن أبي عازب ، عن النعمان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا قود إلا بالسيف". .

                                                فدل هذا الحديث أن القود بكل قتل [ما كان] لا يكون إلا بالسيف.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا الحديث شاهدا لصحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، ولصحة ما استدلوا به من الآثار المذكورة; لأنه -عليه السلام- قال: "لا قود إلا بالسيف" ومعناه: لا قصاص حاصل إلا بالسيف، وقد علم أن النكرة في موضع النفي تعم، ويكون المعنى: لا فرد من أفراد القود إلا وهو يستوفى بالسيف، وفيه النفي والاستثناء، وهو طريق من طرق القصر، وتحقيق القصر فيه: أنه لما قيل: "لا قود" توجه النفي إلى ذات القود فانتفى القود المنكر الشامل لكل واحد من أفراد القود، ولما قيل: "إلا بالسيف" جاء القصر، وفيه إثبات ذلك القود المنفي بالسيف، [ ص: 278 ] وإنما قلنا: توجه النفي إلى ذات القود; لأن القود معنى من المعاني، وليس له قيام إلا بالذات، والذات لا يتوجه إليه النفي، ولهذا نقول: المنفي في قولنا: "ما زيد قائم" هو اتصاف الزيد بالقيام لا ذات الزيد; لأن أنفس الذوات أي الأجسام تمتنع بنفسها كما تبين ذلك حيث بين فيها أن أجسام العالم لا تحتمل الزيادة وإلا لزم تداخل الأجسام، ولا النقصان وإلا لزم الخلاء، فعلى هذا لا تنتفي الأجسام بمعنى أنها تنعدم من العين مطلقا، بل تتبدل عوارضه في غير الكون والفساد وصورها النوعية فيها، وإنما تبقى صفاتها الممكنة الانتفاء لا الممتنعة كالطول والعرض والقصر. فافهم.

                                                وقال أبو بكر الرازي: خبر النعمان حوى معنيين:

                                                أحدهما: بيان أن مراد الآية في ذكر القصاص والمثل.

                                                والآخر: أنه ابتداء عموم يحتج به في نفي القود بغير السيف.

                                                ثم هذا الحديث أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن أبي عازب مسلم بن عمرو أو مسلم بن أراك ، عن النعمان بن بشير، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "لا قود إلا بالسيف".

                                                وأخرجه أبو داود الطيالسي: عن قيس ، عن جابر الجعفي ، عن أبي عازب ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي -عليه السلام- قال: "لا قود إلا بحديدة".

                                                وأخرجه الدارقطني: نا محمد بن سليمان النعماني، نا الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي، ثنا موسى بن داود ، عن مبارك ، عن الحسن، قال رسول الله -عليه السلام-: "لا قود إلا بالسيف. قيل للحسن: عمن؟ قال: سمعت النعمان بن بشير يذكر ذلك".

                                                [ ص: 279 ] وقيل: عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أبي بكرة مرفوعا، رواه الوليد بن صالح عنه.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة مرسلا، نا عيسى بن يونس ، عن أشعث وعمرو بن عبيد ، عن الحسن، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قود إلا بالسيف".

                                                فإن قلت: قال البيهقي: هذا حديث لم يثبت له إسناد، وجابر الجعفي مطعون فيه.

                                                قلت: الجعفي وإن طعن فيه فقد قال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابرا ثقة، وقال شعبة: صدوق في الحديث، وقال الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر لتكلمت فيك.

                                                وقال الذهبي في "الكاشف": إن ابن حبان أخرج له في "صحيحه".

                                                وقد تابع الثوري أيضا قيس بن الربيع كما ذكرنا في رواية الطيالسي .

                                                وقال عفان: كان قيس ثقة، فوثقه الثوري وشعبة، وقال أبو داود الطيالسي: هو ثقة حسن الحديث.

                                                ثم إنا ولئن سلمنا ما قاله البيهقي، فقد وجدنا شاهدا لحديث النعمان المذكور.

                                                وهو ما رواه ابن ماجه: ثنا إبراهيم بن المستمر، ثنا الحر بن مالك العنبري، ثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قود إلا بالسيف".

                                                وسنده جيد. وابن المستمر صدوق. كذا قال النسائي .

                                                والحر: قال ابن أبي حاتم في كتابه: سألت أبي عنه، فقال: صدوق.

                                                والمبارك وإن تكلم فيه فقد أخرج له البخاري في المتابعات في باب قول النبي -عليه السلام-: "يخوف الله عباده بالكسوف".

                                                [ ص: 280 ] وأخرج له ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" ووثقه.

                                                وقال عفان: كان ثقة وكان وكان. ووثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى. وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه.

                                                وروي أيضا نحوه عن أبي هريرة .

                                                أخرجه البيهقي في "سننه": من حديث ابن مصفى، ثنا بقية، حدثني سليمان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "لا قود إلا بالسيف".

                                                ثم قال البيهقي: ورواه بقية بن الوليد ، عن أبي معاذ وهو سليمان بن أرقم ، عن الزهري هكذا.

                                                وعن أبي معاذ ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله أن رسول الله -عليه السلام- قال: "لا قود إلا بسلاح".

                                                ورواه يعلى بن هلال ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "لا قود إلا بحديدة".

                                                وروي أيضا عن أبي سعيد الخدري .

                                                أخرجه الدارقطني: عن عبد الصمد بن علي ، عن الفضل بن عباس ، عن يحيى بن غيلان ، عن عبد الله بن بزيع ، عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ، عن جابر ، عن أبي عازب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي -عليه السلام- قال: "القود بالسيف، والخطأ على العاقلة".

                                                وهذا الحديث كما رأيت قد روي عن النعمان بن بشير وأبي بكرة وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - ولا شك أن [ ص: 281 ] بعضها يشهد لبعض، وأقل أحواله أن يكون حسنا، فإذا كان حسنا صح الاحتجاج به.

                                                وهو مذهب النخعي والحسن البصري وعامر الشعبي .




                                                الخدمات العلمية