الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4679 4680 4681 4682 4683 4684 4685 ص: وقالوا في حديث ابن عمر هذا: إنما الضمان المذكور فيه على الموسر خاصة دون المعسر، وقد بين ذلك عن ابن عمر في غير هذه الآثار، فمما روي عنه في ذلك:

                                                حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب، أن مالكا أخبره، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -عليه السلام- قال: " من أعتق شركا له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة العبد فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق عليه ما عتق".

                                                حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا ابن أبي ذئب ، قال: حدثني نافع ، عن ابن عمر، أن النبي -عليه السلام- قال: " من أعتق شركا له في مملوك، وكان للذي يعتق نصيبه ما يبلغ ثمنه، فهو عتيق كله".

                                                [ ص: 83 ] حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -عليه السلام- " من أعتق شركا له في مملوك، فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه، وإن لم يكن له مال فيقوم قيمة عدل على المعتق، وقد عتق ما عتق".

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: " من أعتق شركا له في مملوك، فقد عتق كله، فإن كان للذي أعتقه من المال ما يبلغ ثمنه، فعليه عتقه كله".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا صخر بن جويرية ، عن نافع: " أن ابن عمر كان يفتي في العبد أو الأمة يكون أحدهما بين شركائه، فيعتق أحدهم نصيبه منه، فإنه يجب عتقه على الذي أعتقه إذا كان له من المال ما يبلغ ثمنه، يقوم في ماله قيمة عدل، فيدفع إلى شركائه أنصابهم، ويخلى سبيل العبد، يخبر بذلك عبد الله بن عمر، عن رسول الله -عليه السلام-".

                                                حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سالم ، عن أبيه، أن رسول الله -عليه السلام- قال: " إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة، ثم يعتق". .

                                                قال سفيان: : وربما قال عمرو بن دينار: " : قيمة عدل لا وكس فيها ولا شطط". .

                                                فثبت بتصحيح هذه الآثار أن ما رواه ابن عمر عن النبي -عليه السلام- من ذلك إنما هو في الموسر خاصة، فأردنا أن ننظر في حكم عتاق المعسر كيف هو؟.

                                                فقال قائلون: قول رسول الله -عليه السلام-: "وإلا فقد عتق منه ما عتق" دليل على أن ما بقي من العبد لم يدخله عتاق، فهو رقيق لم يعتق على حاله.

                                                [ ص: 84 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 84 ] ش: أي قال هؤلاء الآخرون، أشار بذلك إلى بيان استدلالهم لما ذهبوا إليه، وهو أن الضمان المذكور في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - إنما هو على الموسر خاصة دون المعسر، وقد بين ذلك ابن عمر في غير الأحاديث المذكورة.

                                                فمما روي عنه في ذلك ما أخرجه الطحاوي من ستة طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن نافع، عنه.

                                                وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود: من حديث مالك، وقد ذكرناه عن قريب.

                                                قال أبو عمر: هكذا قال يحيى بن يحيى في هذا الحديث "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد" وتابعه ابن القاسم وابن وهب وابن بكير في بعض الروايات عنه، وقال القعنبي: "من أعتق شركا له في مملوك قيم عليه بقيمة عدل" ولم يقل: "فكان له مال يبلغ ثمن العبد".

                                                وقد تابعه بعضهم عن مالك، ومن ذكر هذه الكلمة فقد حفظ وجود، ومن لم يذكرها سقطت له ولم يفهم الحديث، ولا خلاف بين العلماء أن هذه اللفظة مستعملة صحيحة.

                                                الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز ، عن أبي بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي البصري ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المديني ، عن نافع .

                                                وأخرجه مسلم: ثنا محمد بن رافع، قال: ثنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر .... إلى آخره نحوه.

                                                [ ص: 85 ] الثالث: عن فهد بن سليمان ، عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه مسلم: عن ابن نمير ، عن أبيه، عن عبيد الله ، عن نافع، عنه، نحوه.

                                                الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن مسدد شيخ البخاري ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله ، عن نافع .

                                                وأخرجه النسائي: عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد .

                                                وعن ابن قدامة .

                                                وعن يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع .

                                                الخامس: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن روح بن عبادة ، عن صخر بن جويرية ، عن نافع .

                                                وأخرجه البخاري: عن أحمد بن المقدام ، عن فضيل بن سليمان ، عن موسى بن عقبة، أخبرني نافع ، عن ابن عمر: "أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين الشركاء فيعتق أحدهم نصيبه فيه، يقول: قد وجب عليه عتقه كله إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ، يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء أنصبائهم، ويخلى سبيل المعتق" يخبر بذلك ابن عمر عن النبي -عليه السلام-.

                                                السادس: عن المزني ، عن الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سالم ، عن أبيه عبد الله ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                [ ص: 86 ] وأخرجه أبو داود: عن أحمد بن حنبل ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سالم ، عن أبيه .... فذكر مثله.

                                                قوله: "شركا" بكسر الشين، وهو النصيب.

                                                قوله: "وإلا فقد عتق عليه ما عتق" أي فإن لم يكن له مال يبلغ ثمن العبد، عتق منه ما عتق.

                                                وقال الخطابي: فيه دليل على أنه لا عتاقة وراء ذلك، وفيه سقوط السعاية.

                                                قلت: وفي حديث آخر وجوب السعاية على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى.

                                                قوله: "لا وكس" بفتح الواو، أي لا نقصان، والشطط: الجور والظلم والبعد عن الحق.

                                                وقال الخطابي: فيه حجة لمن ذهب إلى أن العتق لا يقع بنفس الكلام، ولكنه بعد التقويم والأداء وهو قول مالك وربيعة .

                                                قوله: "تصحيح هذه الآثار" أراد بها هذه الأحاديث التي رواها من ستة طرق.

                                                قوله: "كيف هو" يعني قوله: "عتاق المعسر كيف هو" أي: كيف يكون حكمه.

                                                قوله: "قائلون" أي قوم قائلون من أهل هذه المقالة.




                                                الخدمات العلمية