الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5882 5883 ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى: أن هذا الحديث الذي احتجوا به حديث مجمل، لم يبين فيه من الذي يركب ويشرب اللبن؟ فمن أين جاز لهم أن يجعلوه الراهن دون أن يجعلوه المرتهن؟! هذا لا يكون لأحد إلا بدليل يدله على ذلك إما من كتاب أو سنة أو إجماع، ومع ذلك فقد روى هذا الحديث هشيم فبين فيه ما لم يبين يزيد بن هارون. .

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا إسماعيل بن سالم الصائغ ، قال: أنا هشيم ، عن زكريا ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة، ذكر أن النبي -عليه السلام- قال: وإذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ، ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشرب نفقتها ويركب". .

                                                فدل هذا الحديث أن المعني بالركوب وشرب اللبن في الحديث الأول هو المرتهن لا الراهن، فجعل ذلك له، وجعلت النفقة عليه بدلا مما يتعوض منه مما ذكرنا، وكان هذا عندنا -والله أعلم- في وقت ما كان الربا مباحا، ولم ينه حينئذ عن القرض الذي يجر منفعة، ولا عن أخذ الشيء بالشيء وإن كانا غير متساويين، ثم حرم الربا بعد ذلك، وحرم كل قرض جر منفعة.

                                                وأجمع أهل العلم أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن، وأنه ليس للمرتهن استعمال الرهن.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى، وأراد بها الجواب عن الحديث المذكور.

                                                بيانه: أن هذا الحديث -أعني حديث أبي هريرة المذكور- مجمل; لأنه لم يبين [ ص: 148 ] فيه من الراكب والشارب؟ فيحتمل أن يكون هو الراهن، ويحتمل أن يكون المرتهن، فتخصيص الراهن به من غير دليل يدل عليه ترجيح بلا مرجح، وهو لا يجوز، فإذا كان كذلك فقد بطل الاستدلال به لأهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، ومع هذا فقد بين هشيم بن بشير في روايته هذا الحديث أن المراد من الراكب والشارب هو المرتهن لا الراهن.

                                                وقد أخرج ذلك عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني ، عن إسماعيل بن سالم الصائغ ، عن هشيم بن بشير ، عن زكرياء بن أبي زائدة ، عن عامر الشعبي ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                فإذا كان الأمر كذلك كان ينبغي أن يذهبوا إلى عكس ما ذهبوا إليه، وهو أن يكون جواز الركوب وشرب اللبن للمرتهن بحق نفقته عليه، لا للراهن.

                                                فإن قيل: إذا كان حديث هشيم قد بين أن المراد من الراكب والشارب هو المرتهن، فلم لم تقولوا به، وهو حجة عليكم حيث أطلقتم المنع للراهن والمرتهن جميعا؟!

                                                قلت: قد كان ذلك جائزا للمرتهن بهذا الحديث حين كان الربا مباحا، وحين لم ينه عن القرض الذي يجر منفعة، ولا عن إبدال شيء بشيء وإن كانا متفاضلين، فلما حدثت هذه الأشياء، انفسخ الحكم المذكور أيضا، وأشار إلى ذلك بقوله: "وكان هذا عندنا والله أعلم ...." إلى آخره.

                                                فإن قيل: قال ابن حزم: حديث هشيم المذكور ليس مسندا; لأنه ليس فيه بيان بأن هذا اللفظ من كلام رسول الله -عليه السلام- وأيضا فإن لفظه مختلط لا يفهم أصلا، وهو قوله: "ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها، ويركب"

                                                [ ص: 149 ] وهذه الرواية إنما هي من طريق إسماعيل بن سالم الصائغ مولى بني هاشم ، عن هشيم، فالتخليط من قبله لا من قبل هشيم فمن فوقه.

                                                قلت: هذا كلام ساقط؛ لأنه كيف يقول: ليس فيه بيان بأن هذا اللفظ من كلام رسول الله -عليه السلام- وأيضا فإن لفظه مختلط لا يفهم أصلا، وهو قوله: "ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها ويركب" وقد صرح فيه بقوله: ذكر أن النبي -عليه السلام- قال.

                                                والطاعن هذا هو المخلط، والتخليط منه لا من إسماعيل بن سالم، فإنه من رجال الصحيح، وروى عنه مسلم .




                                                الخدمات العلمية