الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5990 5991 5992 ص: فكان من الحجة عليهم أن الحديث على أصل المحتج به علينا لا تجب به حجة; لأن الأثبات من أصحاب مالك إنما رووه عن مالك منقطعا، لم يرفعوه إلى أبي هريرة .

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: ثنا أبو عامر والقعنبي ، قالا: ثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب قال: "قضى رسول الله -عليه السلام- بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة".

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: ثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، وأبي سلمة ، مثله.

                                                فصار هذا الحديث منقطعا، والمنقطع لا تقوم به حجة، ثم لو ثبت هذا الحديث واتصل إسناده لم يكن فيه عندنا ما يخالف الحديث الذي ذكرناه عن عطاء ، عن جابر; لأن الذي في هذا الحديث إنما هو قول أبي هريرة: " قضى رسول الله -عليه السلام- بالشفعة فيما لم يقسم" فكان بذلك مخبرا عما قضى به رسول الله -عليه السلام- بالشفعة، ثم قال بعد ذلك: "فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" ، وكان ذلك قولا من رأيه لم يحكه عن رسول الله -عليه السلام-.

                                                وإنما يكون هذا الحديث حجة على من ذهب إلى وجوب الشفعة بالجوار لو كان أن رسول الله -عليه السلام- قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، فيكون ذلك نفيا من رسول الله -عليه السلام- لما قد قسم أن يكون فيه الشفعة، . ولكن [ ص: 193 ] أبا هريرة إنما أخبر في ذلك عن رسول الله -عليه السلام- بما عليه من قضائه، ثم نفى الشفعة برأيه ما لم يعلم من رسول الله -عليه السلام- فيه حكما، وعلمه غيره.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فكان من الدليل والبرهان على أهل المقالة الأولى، وأراد بها الجواب عما قالوه، بيانه أن يقال: إن هذا الحديث لا تقوم به حجة علينا; لأنه في الأصل منقطع؛ لأن الحفاظ الأثبات رووه عن مالك لم يرفعوه إلى أبي هريرة، وقال أبو عمر: هكذا روى هذا الحديث عن مالك أكثر الرواة للموطأ وغيره مرسلا، إلا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ، وأبا عاصم النبيل ، ويحيى بن إبراهيم بن داود بن أبي قتيلة المدني ، وأبا يوسف القاضي; فإنهم رووه عن مالك بهذا الإسناد متصلا عن أبي هريرة مسندا.

                                                وأخرج الطحاوي ذلك من طريقين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، وعبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، كلاهما عن مالك .

                                                وأخرجه النسائي: عن الحارث ، عن أبي القاسم ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك .

                                                وأخرجه ابن ماجه: عن محمد بن حماد الظهراني ، عن أبي عاصم ، عن مالك ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                قوله: "ثم لو ثبت هذا الحديث ...." إلى آخره جواب آخر بطريق التسليم، بيانه أن يقال: سلمنا أن هذا الحديث متصل، ولكن لا نسلم أن يكون فيه خلاف لحديث جابر بن عبد الله الذي رواه عنه عطاء بن أبي رباح، وقد أوضح ذلك بقوله: "لأن الذي في هذا الحديث ...." إلى آخره، وهو ظاهر.




                                                الخدمات العلمية