5029 ص: فإن قال قائل: لا يستأنى برء الجرح، وخالف ما ذكرنا في ذلك من الآثار; فكفى به جهلا في خلافه كل من تقدمه من العلماء، وعلى ذلك فإنا نفسد قوله من طريق النظر; وذلك أنا لو رأينا رجلا قطع يد رجل خطأ ، فبرأ منها وجبت عليه دية اليد، ولو مات منها وجبت عليه دية النفس ولم يجب عليه في اليد شيء، ودخل ما كان يجب في اليد فيما وجب في النفس، فصار الجاني كمن قتل وليس كمن قطع، وصارت اليد لا يجب لها حكم إلا والنفس قائمة، ولا يجب لها حكم إذا كانت النفس تالفة، فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك إذا قطع يده عمدا، فإن برأ فالحكم لليد وفيها القود، وإن مات منها فالحكم للنفس، وفيها القصاص لا في اليد، قياسا ونظرا على ما ذكرنا من حكم الخطأ. .
ويدخل أيضا على من يقول أن الجاني يقتل كما قتل أن يقول: إذا رماه بسهم فقتله أن ينصب الرامي فيرميه حتى يقتله، وقد فلا ينبغي أن يصبر أحد; لنهي رسول الله -عليه السلام- ولكن يقتل قتلا لا يكون معه شيء من النهي. نهى رسول الله -عليه السلام- عن صبر ذي [ ص: 287 ] الروح،
ألا ترى أن رجلا لو نكح رجلا فقتله بذلك، أنه لا يجب للولي أن يفعل بالقاتل كما فعل، ولكن يجب له أن يقتله؛ لأن نكاحه إياه حرام عليه، فكذلك صبره إياه فيما وصفنا حرام عليه، ولكن له قتله كما يقتل من حل دمه بردة أو بغيرها.
هذا هو النظر، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله- غير أن أبا حنيفة لا يوجب القود على من قتل بحجر، وسنبين قوله هذا والحجة له في باب شبه العمد إن شاء الله تعالى.