5030 ص: فكان من حجة الذين قالوا: إن في دفع حديث القتل بالحجر لا يوجب القود أنس: أنه قد يحتمل أن يكون ما أوجب النبي -عليه السلام- من القتل في ذلك عليه حقا لله -عز وجل- وجعل اليهودي كقاطع الطريق الذي يكون ما وجب عليه حدا من حدود الله -عز وجل- فإن كان ذلك كذلك فإن قاطع الطريق إذا قتل بحجر أو بعصا وجب عليه القتل في قول الذين قالوا إنه لا قود على من قتل بعصا، وقد قال بهذا القول جماعة من أهل النظر.
وقد قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في الخناق: إن عليه الدية، وأنه لا يقتل إلا أن يفعل ذلك غير مرة فيقتل، ويكون ذلكحدا من حدود الله -عز وجل- فقد يجوز أن يكون [ ص: 303 ] النبي -عليه السلام- قتل اليهودي على ما في حديث أنس; لأنه وجب عليه القتل لله -عز وجل- كما يجب على قاطع الطريق، فإن كان ذلك كذلك فإن أبا حنيفة -رحمه الله- يقول: وكذلك الخناق الذي فعل ذلك غير مرة أنه يقتل، وقد كان ينبغي في القياس على قوله أن يكون يجب على من فعل ذلك مرة واحدة القتل، ويكون ذلك حدا من حدود الله -عز وجل- كما يجب إذا فعله مرارا; لأنا رأينا الحدود يوجبها انتهاك الحرمة مرة واحدة، ثم لا يجب على من انتهك تلك الحرمة ثانية إلا ما كان وجب عليه في انتهاكها في البدء، فكان النظر فيما وصفنا أن يكون الخناق كذلك أيضا، وأن يكون حكمه في أول مرة هو حكمه في آخر مرة. كل من قطع الطريق فقتل بعصا أو حجر، أو فعل ذلك في المصر يكون حكمه فيما فعل حكم قاطع الطريق،
هذا هو النظر في هذا الباب، وفي ثبوت ما ذكرنا ما يدفع أن يكون في حديث أنس حجة على من يقول: من قتل رجلا بحجر فلا قود عليه.