5070 ص: فمما دل على هذا الذي رويناه عن جابر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -: "أنه كان بعد ما في حديث حرام بن محيصة ، من قوله: أن على أهل المواشي حفظ مواشيهم بالليل، وأن على أهل الزرع حفظ زرعهم بالنهار" فجعل النبي -عليه السلام- الماشية إذا كان على ربها حفظها مضمونا ما أصابت، وإذا لم يكن عليه حفظها غير مضمون عليه ما أصابت، فأوجب في ذلك ضمان ما أصابت المنفلتة بالليل إذ كان على صاحبها حفظها. "فقضى رسول الله -عليه السلام-
ثم قال في حديث العجماء: " جرحها جبار" ، فكان ما أصابت في انفلاتها جبارا، فصارت كما لو هدمت حائطا أو قتلت رجلا، لم يضمن صاحبها شيئا، وإن كان عليه حفظها حتى لا تنفلت إذا كانت مما يخاف عليه مثل هذا، فلما لم يراع النبي -عليه السلام- في هذا الحديث وجوب حفظها عليه، وراعى انفلاتها فلم يضمنه فيها شيئا مما أصابت ليلا أو نهارا رجع الأمر في ذلك إلى استواء الليل والنهار، فثبت بذلك أن ما أصابت ليلا أو نهارا إذا كانت منفلتة فلا ضمان على ربها فيه، وإن كان هو سيبها فأصابت شيئا في فورها أو في سيبها ضمن ذلك كله، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-، وهو أولى ما حملت عليه هذه الآثار؛ لما ذكرنا وبينا.