4944 [ ص: 567 ] ص: ثم عدنا إلى النظر في ذلك لنعلم ما هو؟ فرأينا العقوبات التي تجب بانتهاك الحرمات مختلفة، فمنها حد الزنا وهو الجلد في غير الإحصان، ، فكان فحد، ثم زنى ثانية كان حده كذلك، ثم كذلك حده في الرابعة، فلا يتغير عن حده في أول مرة. من زنى وهو غير محصن
وكان فحده قطع اليد، ثم إن سرق ثانية فحده قطع الرجل، ثم إن سرق ثالثة ففي حكمه اختلاف بين الناس، فمنهم من يقول: تقطع يده، ومنهم من يقول: لا تقطع، فهذه حقوق الله -عز وجل- التي تجب فيما دون النفس. من سرق ما يجب فيه القطع
وأما حدود الله التي تجب في الأنفس فهي القتل في الردة، والرجم في الزنا إذا كان الزاني محصنا، فكان من زنى ممن قد أحصن رجم ولم يتتظر به أن يزني أربع مرات، وكان من ارتد عن الإسلام قتل ولم ينتظر به أن يرتد أربع مرات.
وأما حقوق الآدميين فمنها أيضا ما يجب فيما دون النفس، فمن ذلك حد القذف، فكان من قذف أربع مرات فحكمه فيما يجب عليه بكل مرة منها هو حكم واحد لا يتغير، ولا يختلف ما يجب من قذفه إياه في المرة الرابعة وما يجب عليه بقذفه إياه في المرة الأولى. فكانت الحدود لا تتغير في انتهاك الحرم، وحكمها كلها حكم واحد، ما كان منها جلد في أول مرة فحكمه كذلك أبدا، وما كان منها قتل، قتل الذي وجب عليه ذلك بفعله أول مرة ولم ينتظر به أن يتكرر فعله أربع مرات.
فلما كان ما وصفنا كذلك، وكان كان في النظر أيضا عقوبته في شربه إياها بعد ذلك أبدا كلما شربها الجلد لا القتل، ولا تزيد عقوبته بتكرر أفعاله كما لم تزد عقوبة الذين وصفنا بتكرر أفعالهم. من شرب الخمر مرة فحده الجلد لا القتل،
فهذا الذي وصفنا هو النظر، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.