مسألة
سؤال منكر ونكير، الميت إذا مات تدخل الروح في جسده ويجلس ويجاوب منكر ونكير، فيحتاج موتا ثانيا؟
الجواب
ليس مثل عودها إليه في هذه الحياة الدنيا، وإن كان ذاك قد يكون أكمل من بعض الوجوه، كما أن النشأة الآخرة ليست مثل هذه النشأة، وإن كانت أكمل منها، بل كل موطن في هذه الدار وفي البرزخ والقيامة له حكم يخصه. ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يوسع له في قبره ويسأل ونحو ذلك، وإن كان التراب قد لا يتغير. عود الروح في بدن الميت في القبر فيه قولان: فالروح تعاد إلى بدن الميت وتفارقه، وهل يسمى ذلك موتا؟
قيل: يسمى ذلك موتا، وتأولوا على ذلك قوله: ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين . قيل: إن الحياة الأولى في هذه الدنيا، والحياة الثانية في القبر، والموتة الثانية في القبر. [ ص: 236 ]
والصحيح أن هذه الآية كقوله: وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم . فالموتة الأولى قبل هذه الحياة، والموتة الثانية بعد هذه الحياة، وقوله: ثم يحييكم بعد الموت. قال: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ، وقال: فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون .
فالروح تتصل بالبدن متى شاء الله، وتفارقه متى شاء الله، لا يتوقت ذلك بمرة ولا مرتين، والنوم أخو الموت، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه: "باسمك اللهم أموت وأحيا". فقد سمى النوم موتا والاستيقاظ حياة. وكان إذا استيقظ يقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور" .
وقد قال تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ، فبين أنه يتوفى الأنفس على نوعين، فيتوفاها حين الموت، ويتوفى الأنفس التي لم تمت بالنوم، ثم إذا ناموا فمن مات في منامه أمسك نفسه، ومن لم يمت [ ص: 237 ] أرسل نفسه. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: "باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين".
والنائم يحصل له في منامه لذة وألم، وذلك يحصل للروح والبدن، حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه، فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أنه أطعم شيئا طيبا، فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود، فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به والذي إلى جنبه لا يحس به، حتى قد يصيح النائم من شدة الألم والفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه، وقد يتكلم إما بقرآن وإما بذكر وإما بجواب، واليقظان يسمع ذلك وهو نائم عينه مغمضة، ولو خوطب لم يستمع، فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول بأنه يسمع قرع نعالهم، وقال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم".
والقلب يشبه بالقبر، ولهذا وفي لفظ: قال صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر يوم الخندق: "ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا"، وفرق بينها في قوله: "قلوبهم وقبورهم نارا"، أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور . [ ص: 238 ]
وهذا تقريب وتقرير لإمكان ذلك، ولا يجوز أن يقال: ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب مثل ما يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم، وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك إذا قال السائل: الميت لا يتحرك في قبره، أو التراب لا يتغير، ونحو ذلك. مع أن هذه المسألة لها بسط يطول وشرح لا يحتمل هذه الورقة. والله أعلم. [ ص: 239 ]