الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في الهدي

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في إشعاره صلى الله عليه وسلم وتقليده هديه وما أهداه

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمامان الشافعي وأحمد ومسلم والأربعة عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في حجة الوداع بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ، وسلت الدم عنها بيده ، وفي لفظ : بإصبعه ، وقلدها نعلين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما فقلدها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية هدية فيها جمل أحمر لأبي جهل في أنفه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن جابر -رضي الله عنه- قال : أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : دخل علينا يوم النحر في حجة الوداع بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ فقيل : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم والإمام أحمد والترمذي عن جابر -رضي الله عنه- قال : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة يوم النحر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود وابن ماجه والنسائي عن عائشة ومسلم عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى وفي لفظ : نحر ، عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 84 ] وروى أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم أشعرها وقلدها ، ثم بعث بها إلى البيت ، ثم أقام بالمدينة ، فما حرم عليه شيء كان له حلالا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عنها -رضي الله تعالى عنها- قالت : أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ، ثم بعث بها مع أبي ، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه والترمذي وصحح وقفه عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى هديه من قديد .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في أمره صلى الله عليه وسلم بركوب الهدي

                                                                                                                                                                                                                              يروي الإمامان مالك وأحمد عن أبي هريرة والستة إلا أبا داود عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال : اركبها ، فقال : إنها بدنة ، قال : اركبها ثلاثا ، وقال في الثالثة أو الرابعة : اركبها ويلك! أو قال : ويحك! قال أبو هريرة : فلقد رأيته راكبها يساير بها النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في سيرته صلى الله عليه وسلم فيما يقطعه من الهدي ومن كان على هديه زاده الله تعالى شرفا وفضلا

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- أن ذؤيبا أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ست عشرة بدنة من بدنه مع رجل ، سماه في رواية أبي ذؤيب «أبا قبيصة» وفي لفظ : كأن يبعث بالبدن ، ثم يقول : إن عطب منها شيء ، فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ، ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت . وفي رواية : ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 85 ] وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه عن ناجية الخزاعي -رضي الله تعالى عنه وفي لفظ : وكان صاحب بدن ، وفي لفظ : هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال : قلت : كيف أصنع بما عطب من البدن ؟ قال : انحرها واغمس نعلها في دمها ، واضرب به صفحتها ، وخل بين الناس وبينها فليأكلوها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والأربعة عن ناجية الأسلمي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي ، فقال : إن عطب فانحره ثم اصبغ نعله في دمه ، ثم خل بينه وبين الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عمرو بن خارجة الثمالي -رضي الله تعالى عنه- قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم معي هديا وقال : إذا عطب منها شيء فانحره ، ثم اضرب نعله في دمه ، ثم اضرب به صفحته ولا تأكل أنت ولا أهل رفقتك .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في إرساله صلى الله عليه وسلم الهدي وهو مقيم بالمدينة

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمامان مالك وأحمد والستة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه من عهن كان عندنا ، ولا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم ، يأتي ما يأتي الحلال من أهله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد برجال ثقات ، والبزار عن جابر ، والإمام أحمد برجال الصحيح عن عطاء بن يسار ، عن نفر من بني أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا فقد ، وفي لفظ عطاء : «فشق» قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه ، قال جابر : فينظر القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر اليوم على ماء كذا وكذا ، فلبست قميصا ونسيت ، فلم أكن أخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنة وأقام» .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في نحره صلى الله عليه وسلم بيده

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أهدى مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة بيده ، ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها ، وقال : اقسم لحومها وجلالها وجلودها بين الناس ولا تعطين جزارا منها شيئا ، وخذ لنا من كل بعير [ ص: 86 ] حذية من لحم ، ثم اجعلها في قدر واحدة ، حتى نأكل منها ونحسو من مرقها ففعل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن علي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر بدنا نحر ثلاثين بيده ، وأمرني فنحرت سائرها .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية