جماع أبواب معجزاته- صلى الله عليه وسلم- السماوية
الباب الأول
وفيه فصول
الأول : في الكلام على المعجزة والكرامة والسحر
قال القاضي- رحمه الله تعالى- : إذا تأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره وحميد سيره وبراعة علمه ورجاحة عقله ، وجملة كمالاته وجميع خصاله المرضية وشاهد حاله وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته الخلق إلى الحق ، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به ، روى الترمذي وابن قانع رضي الله تعالى عنه- قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام- المدينة جئته لأنظر إليه ، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب . عن
وعن أبي رمثة- رضي الله تعالى عنه- قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي فأريته ، فلما رأيته قلت : هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن سعد قال ذلك لما ظهر عليه من ملابس الصدق ، وعلامات الحق .
وروى وغيره أن مسلم ضمادا لما وفد عليه فقال له صلى الله عليه وسلم- وقد سمع بعض قريش وفي لفظ محمد مجنون فقال : يا محمد ، إني راق هل بك شيء أرقيك ؟
فقال صلى الله عليه وسلم نفيا لما نسب إليه : «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله» ،
قال له : أعد علي كلماتك هؤلاء فلقد بلغني قاموس البحر ، هات يدك أبايعك ، قال ذلك تعجبا من بلاغتها ، وإيرادها مطابقة لمقتضى الحال . «بعض الكفار» يقول :
وروى عن البيهقي قال : جامع بن شداد ، طارق ، فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هل معكم شيء تبيعونه ؟ » فقلنا هذا البعير قال :
بكم ؟ قلنا : بكذا وكذا وسقا من تمر ، فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا من رجل ، ما ندري من هو ومعنا ظعينة ، فقالت : أنا ضامنة لثمن البعير ، رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر لا يخيس فيكم ، فأصبحنا ، فجاء رجل بتمر فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر ، وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا كان رجلا منافقا يقال له :
انتهى . قالت ذلك لما ظهر لها عليه من مخائل الصدق ، وملابس الوفاء .
وروى ابن موسى في كتاب الردة عن في خبر ابن إسحاق الجلندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام ، فقال الجلندى : والله لقد دلني على هذا النبي [ ص: 405 ]
الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له وأنه يغلب فلا يبطر ، ويغلب فلا يفجر ، ويفي بالعهد وينجز الوعد ، وأشهد أنه نبي جملته هذه المحاسن ، فتأمله لها على الإقرار بنبوته .
وقال نفطويه في قوله تعالى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار [النور - 35] هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول : يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال رضي الله تعالى عنه- . ابن رواحة-
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر
قال المحققون : عليهم الصلاة والسلام- الواقع على وفق دعوى المتحدى بها مع أمن المعارضة المعجزة هي الأمر الخارق للعادة المقرون بالتحدي الدال على صدق الأنبياء- وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها فعلم أن لها شروطا :أحدها :
أن تكون خارقة للعادة كانشقاق القمر ، وانفجار الماء من بين الأصابع ، وقلب العصا حية ، وإخراج ناقة من صخرة ، فخرج غير الخارق للعادة كطلوع الشمس كل يوم .