الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 235 ] ( ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام ) وقال الشافعي : له أن يقيمه لأن له ولاية مطلقة عليه كالإمام ، بل أولى لأنه يملك من التصرف فيه ما لا يملكه الإمام فصار كالتعزير . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { أربع إلى الولاة وذكر منها الحدود } ولأن الحد حق الله تعالى لأن المقصد منها إخلاء العالم عن الفساد ، ولهذا لا يسقط بإسقاط العبد فيستوفيه من هو نائب عن الشرع وهو الإمام أو نائبه ، بخلاف التعزير لأنه حق العبد ولهذا يعزر الصبي ، وحق الشرع موضوع عنه .

التالي السابق


( قوله ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام ) وقال الشافعي ومالك وأحمد : يقيمه بلا إذن ، وعن مالك إلا في الأمة المزوجة . واستثنى الشافعي من المولى أن يكون ذميا أو مكاتبا أو امرأة . وهل يجري ذلك على العموم حتى لو كان قتلا بسبب الردة أو قطع الطريق أو قطعا للسرقة ، ففيه خلاف عندهم ، قال النووي : الأصح المنصوص نعم لإطلاق الخبر ، وفي التهذيب : الأصح أن القتل والقطع إلى الإمام لهم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال : إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير } قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة . والضفير الحبل . وفي السنن عنه عليه الصلاة والسلام { أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم } ولأنه يملك تعزيره صيانة لملكه عن الفساد فكذا الحد ، ولأن له ولاية مطلقة عليه حتى ملك منه ما لا يملك الإمام من التصرف فملكه للإقامة عليه أولى من الإمام .

ولنا ما روى الأصحاب في كتبهم عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير موقوفا ومرفوعا { أربع إلى الولاة : الحدود ، والصدقات . والجمعات ، والفيء } ولأن الحد خالص

[ ص: 236 ] حق الله تعالى فلا يستوفيه إلا نائبه وهو الإمام ، وهذا الاستدلال يتوقف على صحة هذا الحديث ، وكونه حق الله فإنما يستوفيه نائبه مسلم ، ولكن الاستنابة تعرف بالسمع ، وقد دل على أنه استناب في حقه المتوجه منه على الأرقاء مواليهم بالحديث السابق ، ودلالته على الإقامة بنفسه ظاهرة وإن كنا نعلم أنه ليس المراد الإقامة بنفسه ; فإنه لو أمر به غيره كان ممتثلا فجاز كون المراد ذكره الإمام ليأمر بإقامته ، لكن ما لم يثبت المعارض المذكور لا يجب الحمل على ذلك ، بل على الظاهر المتبادر من قول القائل : أقام فلان الحد على فلان أو جلد فلان فلانا ، والمتبادر أنه باشره أو أمر به ، على أن المتبادر أحد دائر فيهما لا في ثلاثة وهما هذان مع رفعه إلى الحاكم ليحده ، نعم من استقر اعتقاده على أن إقامة الحدود إلى الإمام فالمتبادر إليه من ذلك اللفظ الأخير بخصوصه




الخدمات العلمية