الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون [ ص: 115 ] لم يحنث ) عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أنه إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى لأنه لا ملك للمولى فيه عنده ، وإن كان الدين غير مستغرق أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه لأن الملك فيه للمولى لكنه يضاف إلى العبد عرفا ، وكذا شرعا قال عليه الصلاة والسلام { من باع عبدا وله مال فهو للبائع } الحديث فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية . وقال أبو يوسف : في الوجوه كلها : يحنث إذا نواه لاختلال الإضافة . وقال محمد : يحنث وإن لم ينوه لاعتبار حقيقة الملك إذ الدين لا يمنع وقوعه للسيد عندهما .

التالي السابق


( قوله ومن حلف لا يركب دابة فلان ) اعلم أنه إذا [ ص: 115 ] حلف لا يركب دابة فلان انعقد على حماره وبغلته وفرسه ، فلو ركب جمله أو فيله لم يحنث وإن كان اسم الدابة لما يدب على الأرض ، لأن العرف خصصه بالمركوب المعتاد والمعتاد هو ركوب هذه الأنواع الثلاثة فيتقيد به ، وإن كان الجمل مما يركب أيضا في الأسفار وبعض الأوقات فلا يحنث بالجمل إلا إذا نواه ، وكذا الفيل والبقر إذا نواه حنث وإلا لا .

وينبغي إن كان الحالف من البدو أن ينعقد على الجمل أيضا بلا نية لأن ركوبها معتاد لهم ، وكذا إذا كان حضريا جمالا والمحلوف على دابته جمال دخل في يمينه بلا نية . وإذا كان مقتضى اللفظ انعقادها على الأنواع الثلاثة . فلو نوى بعضها دون بعض بأن نوى الحمار دون الفرس مثلا لا يصدق ديانة ولا قضاء ، لأن نية الخصوص لا تصح في غير اللفظ ، وسيأتي تمامه في الفصل الذي بعده ، ولو حمل على دابته مكرها لا يحنث على وزان ما تقدم في أول الفصل ، ولو حلف لا يركب مركبا ولا نية له حنث بكل مركب سفينة أو محمل أو دابة [ ص: 116 ] ولو ركب دابة عبد مأذون له مديون أو غير مديون لم يحنث عند أبي حنيفة إلا أن ينوي دابة عبده فيحنث به .

إلا إذا كان على العبد دين مستغرق فإنه لا يحنث حينئذ بركوبها وإن نوى دابة العبد أيضا لأنه لا ملك للمولى فيه عند أبي حنيفة رحمه الله ، وأما أنه لا يحنث بركوب دابة العبد وإن لم يكن عليه دين أو كان لكنه غير مستغرق إلا أن ينويه فلأن الملك فيه وإن كان للمولى لكنه عرضت إضافته إلى العبد عرفا وشرعا . قال صلى الله عليه وسلم { من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ، وإن باع نخلا قد أبرت فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع } أخرجه الستة كلهم عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم ، فاختلت إضافة المال إلى المولى وإن كان ملكا له فقصر الإطلاق عن تناوله إلا بالنية . وقال أبو يوسف في الوجوه كلها : وهو ما إذا لم يكن عليه دين أو عليه مستغرق أو غير مستغرق يحنث إذا نواه ، فتحقق خلافه لأبي حنيفة فيما إذا كان عليه دين مستغرق ونواه فإن عند أبي حنيفة لا يحنث لعدم السيد لما في يده ، وعند أبي يوسف هو مملوك للسيد وإن استغرق فيحنث بنيته .

وقال محمد : يحنث في الوجوه الخمسة ، وهي ما إذا لم يكن عليه دين أو عليه دين مستغرق أو غير مستغرق نوى دابة العبد أو لم ينو لاعتباره حقيقة الملك في الدابة المحلوف عليها : أي انعقدت يمينه على كل دابة يملكها المحلوف على دابته ، وما في يد المأذون ملك السيد وإن كان مديونا مستغرقا فيتحقق الحنث بركوبها ، وقول محمد هو قول مالك والشافعي وأحمد ، والظاهر أن أبا حنيفة رحمه الله أسعد بالعرف هنا ، فإنه يقال هذه دابة عبد فلان ، وتلك دابة سيده فينصرف اليمين إلى ما يضيفه العرف إليه لا إلى ما يضيفه الملك إليه مع إضافة العرف إياه إلى غيره ، وأقل ما يجب إذا صارت هذه الدابة تضاف إلى كل منهما أن لا ينعقد عليها إلا بقصدها ، لأنه إن نظر إلى إضافتها إليه انعقدت عليها ، وإن نظر إلى إضافتها إلى غيره لم تنعقد عليه فلا ينعقد عليها إلا أن ينويها غير أنه يقول إذا كان دينه مستغرقا انقطعت الإضافة إلى السيد بالكلية لانعدام الملك لأن العرف ما كان يضيفه إلى السيد مع إضافته إلى العبد إلا باعتبار ملكه ، فإذا انتفى انتفى .




الخدمات العلمية