الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن قذف امرأة ومعها أولاد لم يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد والولد حي أو قذفها بعد موت الولد فلا حد عليه ) لقيام أمارة الزنا منها وهي ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا إليها وهي شرط الإحصان [ ص: 335 ] ( ولو قذف امرأة لاعنت بغير ولد فعليه الحد ) لانعدام أمارة الزنا .

التالي السابق


( قوله ومن قذف امرأة ومعها أولاد لم يعرف لهم أب أو قذف الملاعنة بولد والولد حي ) وقت القذف أو ميت ( فلا حد عليه ) . أما لو قذف ولد الملاعنة نفسه أو ولد الزنا فإنه يحد ، ولو أنه بعد اللعان ادعى الولد فحد أو لم يحد حتى مات فثبت نسب الولد منه فقذفها بعد ذلك قاذف غيره أو هو قبل موته حد ، ولا يحد الذي قذفها قبل تكذيب نفسه ، وكذا لو قامت البينة على الزوج أنه ادعاه وهو ينكر يثبت النسب منه ويحد .

ومن قذفها بعد ذلك يحد ; لأنها خرجت عن صورة الزواني ، ولو قذفها الزوج فرافعته وأقامت بينة أنه أكذب نفسه حد لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم أو بمعاينة وجه عدم الحد في ذات الأولاد قيام أمارة الزنا منها وهي ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا إليها : أي إلى الإمارة ( وهي ) أي العفة ( شرط ) واعلم أنه إن صح ما رواه الإمام أحمد وأبو داود في حديث هلال بن أمية من قوله { وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدعي ولدها لأب ولا يرمي ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد } ، وكذا [ ص: 335 ] ما رواه أحمد أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ، ومن رماها به جلد ثمانين } أشكل على المذهب ، والأئمة الثلاثة جعلوا قذف الملاعنة بولد كقذف الملاعنة بلا ولد ( ولو قذف امرأة لاعنت ) بغير ولد فعليه الحد لعدم ثبوت الزنا وثبوت أمارته .

فإن قيل : اللعان قائم مقام حد الزنا في حقها فكانت كالمحدودة بالزنا فلا يحد قاذفها . أجيب بأنه قائم مقام حد الزنا بالنسبة إلى الزوج لا بالنسبة إلى غيره فهي محصنة في حق غيره ; ألا ترى أن اللعان في حقه قائم مقام حد القذف بالنسبة إليها لا إلى غيرها حتى قبلنا شهادته ولا يعلم خلاف في ذلك ، إلا أن للشافعية في وجه أنه إذا قذفها أجنبي بذلك الزنا الذي لاعنت به لا يحد واعترض بأن مقتضاه أن لا يحد الزوج لو قذفها بعد اللعان ، لكن المنصوص في الأصل أنه يحد بل الحق أنها لم يسقط إحصانها بوجه .

وقولهم اللعان قائم مقام حد الزنا في حقها إنما يقتضي أن لا يحد قاذفها لو كان معناه أنه وجب عليها الحد وجعل اللعان بدله ، وليس كذلك لأنه لا يجب الحد بمجرد دعوى الزنا عليها مع العجز عن إثباته ليسقط إحصانها ، وإنما هو ليشتفي الصادق منهما حيث يتضاعف به على الكاذب عذابه بأن يضاف إلى عذاب الزنا عذاب الشهادات المؤكدة بالأيمان الغموسة ، أو يضاف ذلك إلى عذاب الافتراء والقذف ، بخلاف ما إذا كان بنفي الولد لأن أمارة الزنا قائمة فأوجبت ذلك ، وقد أول قولهم بما لا يشرح صدرا ولا يرفع إصرا ، فالحق أن كونه قائما مقام حد القذف في حقه ظاهر غير محتاج إلى تأويل وأما الجانب الآخر ففيه تساهل لا يرتفع ، وورود السؤال إنما هو بناء على أنه كلام حقيقي على ظاهره وليس كذلك فلا ورود له




الخدمات العلمية