الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه على ما يكبس في التنانير ويباع في المصر ) ويقال يكنس ( وفي الجامع الصغير : لو حلف لا يأكل رأسا فهو على [ ص: 128 ] رءوس البقر والغنم ) عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على الغنم خاصة ، وهذا اختلاف عصر وزمان كان العرف في زمنه فيهما وفي زمنهما في الغنم خاصة وفي زماننا يفتى على حسب العادة كما هو المذكور في المختصر .

التالي السابق


( قوله ومن حلف لا يأكل الرءوس فيمينه على ما يكبس في التنانير ) في تلك البلدة ويباع فيها من رءوس الإبل والبقر والغنم . [ ص: 128 ] وفي الجامع الصغير : لو حلف لا يأكل رأسا فهو على رءوس البقر والغنم عند أبي حنيفة رحمه الله . وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : على الغنم خاصة ، وهذا اختلاف عصر ، فكان العرف في زمنه فيها ثم صار في البقر والغنم ، فرجع أبو حنيفة عن انعقاده في حق رءوس الإبل وفي زمانهما في الغنم خاصة فوجب على المفتي أن يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف كما هو في مختصر القدوري رحمه الله . وأورد أن العادة كما هي في الرءوس مقتصرة على رءوس الغنم أو البقر معها كذلك في اللحم مقتصرة على لحم ما يحل ، إذ لم تجر العادة ببيع لحم الآدمي والخنزير وأكله ، مع أن اليمين انعقدت باعتبارهما فحنث بأكل لحمهما إذا حلف لا يأكل لحما .

أجيب بأن الأصل في جنس هذه المسائل أنه فيها يجب العمل بالحقيقة : يعني اللغوية ، فإن لم يكن وجب اعتبار التعارف حينئذ ، واللحم يمكن فيه أكل كل ما يسمى لحما فانعقد باعتباره ، بخلاف الرءوس لا يمكن أكل حقيقتها إذ هي مجموع العظم مع اللحم فيصير إلى المتعارف ونقص بالشراء فإنه يمكن في الرءوس على العموم ومع ذلك لم ينعقد يمين الشراء على العموم فيها .

أجيب بالمنع بل من الرءوس ما لا يمكن بيعه كرأس الآدمي ، وبهذا خرج الجواب عما أورد على مسألة الحلف لا يركب دابة أنه لا يحنث إذا ركب كافرا وهو دابة حقيقة فأمكن العمل بالحقيقة ومع ذلك لم يجر على عمومه ، فإن إمكان العمل بحقيقة عمومه منتف إذ من الدواب النمل وما هو أصغر منها ولا يمكن ركوبه فيصير إلى المتعارف ، وهذا يهدم ما تقدم من أن المتكلم إنما يتكلم بالعرف الذي به التخاطب فوجب عند عدم نيته أن يحكم بأن المراد ما عليه العرف ، وتقدم تصحيح العتابي وغيره في لحم الخنزير والآدمي عدم الحنث وليس إلا بناء على هذا الأصل ، ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع . .




الخدمات العلمية