الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن شهد اثنان أنه زنى بفلانة فاستكرهها وآخران أنها طاوعته درئ الحد عنهما جميعا عند أبي حنيفة ) وهو قول زفر ( وقالا : يحد الرجل خاصة ) لاتفاقهما على الموجب وتفرد أحدهما بزيادة جناية وهو الإكراه ، بخلاف جانبها ; لأن طواعيتها شرط تحقق الموجب في حقها ولم يثبت لاختلافهما . وله أنه اختلف المشهود عليه ; لأن الزنا فعل واحد يقوم بهما ، [ ص: 285 ] ولأن شاهدي الطواعية صارا قاذفين لها . وإنما يسقط الحد عنهما بشهادة شاهدي الإكراه ; لأن زناها مكرهة يسقط إحصانها فصارا خصمين في ذلك

التالي السابق


( قوله : وإن شهد اثنان ) حاصلها أنه شهد أربعة على رجل أنه زنى بفلانة إلا أن رجلين قالا استكرهها وآخرين قالا طاوعته ; فعند أبي حنيفة يندرئ الحد عنهما وهو قول زفر والأئمة الثلاثة ( وقالا : يحد الرجل خاصة لاتفاقهم ) أي الشهود الأربعة على الموجب للحد عليه ، كذا في بعض النسخ وهو الأحسن وفي غالبها لاتفاقهما : أي الفريقين ، وعليه قوله ( وتفرد أحدهما بزيادة جناية ) أي تفرد أحد الفريقين بزيادة جناية منه ( هي الإكراه ) وهو لا يوجب التخفيف عنه ( بخلاف جانبها لأن طواعيتها شرط وجوب الحد عليها ولم يثبت ) إذ قد اختلفوا فيه وتعارضوا ، فعدم الوجوب عليها لمعنى غير مشترك فلا يسقط عنه كما لو زنى بصغيرة مشتهاة أو مجنونة . ولأبي حنيفة أنه قد اختلف المشهود عليه قرره في النهاية على ظاهره ، فقال اختلف المشهود عليه ، فإن المشهود عليه اثنان على تقدير وهو ما إذا كانت طائعة ; لأن الفعل : أي الزنا يكون مشتركا بينهما وكل منهما مباشر له فكانا مشهودا عليهما فيجب الحدان ، وواحد على تقدير وهو ما إذا كانت مكرهة [ ص: 285 ] فإن الرجل هو المنفرد بالفعل فيجب حد واحد فكان المشهود عليه واحدا ، لأن الإكراه يخرج المرأة من أن تكون فاعلة للزنا حكما ، ولهذا لا تأثم بالتمكين مكرهة ، فاختلاف الفعل المشهود به أورث اختلاف المشهود عليه واختلاف الفعل من أقوى الشبهة ا هـ .

ولا يخفى أن المؤثر في إسقاطه عن الرجل ليس إلا اختلاف الفعل المشهود به فإنه هو المستقل بذلك فكونه يستلزم الشهادة على اثنين أو واحد لا يؤثر في الحكم ; لأن حاصل ذلك أن الرجل مشهود عليه بنصاب الشهادة على كل حال وهو الموجب لحده عندهما ، ولا فائدة لأبي حنيفة في إيراد هذا الكلام ، بل الذي يفيده اختلاف الفعل المشهود به ، فاشتغاله بزيادة كلام لا أثر له ، ولا يفيد في المقصود فائدة بعيد ، وكونه على تقدير آخر مشهودا عليها معه ، والفرض أن ذلك التقدير وهو طواعيتها غير ثابت ، فإنما هو أمر مفروض فرضا لا فائدة فيه أصلا ، ولذا حمل شارح لفظة عليه على به ، وعليه اقتصر في الكافي فقال : وله أن المشهود به اختلف وليس على أحدهما : أي على أحد الوجهين اللذين بهما الاختلاف نصاب الشهادة فلا يجب شيء ، وهذا لأن الزنا فعل واحد يقوم بهما وقد اختلف في جانبها فيكون مختلفا في جانبه ضرورة يعني أن الزنا بطائعة غير الزنا بمكرهة وشهادتهم بزنا دخل في الوجود والشاهدان بزناه بطائعة ينفيان زناه بمكرهة والآخران ينفيان زناه بطائعة فلم يتحقق على خصوص الزنا المتحقق في الخارج شهادة أربعة .

وقول المصنف يقوم بهما لا يريد قيام العرض بعد فرض أنه واحد بالشخص بل إنه يتحقق قيامه ، أي وجوده بهما ( قوله ولأن شاهدي الطواعية ) لما اندرأ الحد عنها ( صارا قاذفين لها ) بالزنا ( فصارا خصمين لها ) ولا شهادة للخصم ، وكان مقتضاه أن يحدا حد القذف ، لكن سقط بشهادة الآخرين بزناه مكرهة ، فإن الزنا مكرها يسقط الإحصان في حد القذف ، والإحصان يثبت بشهادة اثنين ، فلما سقطت شهادتهما في حقها سقطت في حقه بناء على اتحاد الفعل فصار على زناه شاهدان فلا يحد ، وهذا الاعتذار في سقوط حد القذف يحتاج إليه عندهما على ما ذكر في جامع شمس الأئمة حيث قال : لم يجب حد القذف على الشهود عند أبي حنيفة لأنهم اتفقوا على النسبة إلى الزنا بلفظة الشهادة ، وذلك مخرج لكلامهم عن كونه قذفا كما في المسألة التي تلي هذه ، وأما عندهما فلأن شاهدي الطواعية صارا قاذفين لها لكن شاهدي الإكراه أسقطاه إلى آخر ما ذكرنا




الخدمات العلمية