الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 14 ] قال : ( ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين فقبل العبد فعتق ثم مات من ساعته فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال محمد : عليه قيمة خدمته أربع سنين ) [ ص: 15 ] أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضا فيتعلق العتق بالقبول ، وقد وجد ولزمه خدمة أربع سنين ; لأنه يصلح عوضا فصار كما إذا أعتقه على ألف درهم ، ثم إذا مات العبد فالخلافية فيه بناء على خلافية أخرى ، وهي أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها ثم استحقت الجارية أو هلكت يرجع المولى على العبد بقيمة نفسه عندهما وبقيمة الجارية عنده وهي معروفة . ووجه البناء أنه كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك والاستحقاق يتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد ، [ ص: 16 ] وكذا بموت المولى فصار نظيرها .

التالي السابق


( قوله : ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين مثلا ) أو أقل أو أكثر ( فقبل العبد فعتق ثم مات المولى من ساعته فعليه ) أي على العبد ( قيمته عند أبي حنيفة في قوله الآخر وهو قول أبي يوسف ، وفي قوله الأول وهو قول محمد عليه قيمة خدمة أربع سنين ) أما العتق فلأنه جعل الخدمة وهي معلومة إذ هي خدمة البيت المعتادة في مدة معلومة عوضا فتعلق بقبولها [ ص: 15 ] كما في غيره من المعاوضات ; لأنه صلح عوضا ; لأن المنفعة أخذت حكم المال بالعقد ، ولذا صحت مهرا مع أنه تعالى أمر بابتغاء النكاح بالمال ، ثم إذا مات العبد أو المولى قبل حصول ما عقدا عليه تحقق الخلاف المذكور ، وهو بناء على الخلاف في مسألة أخرى ، وهي ما إذا باع نفس العبد منه بجارية بعينها ثم استحقت أو هلكت قبل تسليمها يرجع عليه بقيمة نفسه عندهما ، وعند محمد بقيمة الجارية ، وكذا لو ردت بعيب فاحش فهو على هذا الخلاف وإن كان غير فاحش فكان عندهما ، وعند محمد لا يقدر على ردها بالعيب اليسير .

ووجه البناء ظاهر وإن ذكره في الكتاب ، ولا يخفى أن بناء هذه على تلك ليس بأولى من عكسه ، بل الخلاف فيهما معا ابتدائي ، ولم يقل أحد إنه ترجع الورثة في موت المولى بعين الخدمة . قيل ; لأن الناس يتفاوتون في الاستخدام ، وقيل بل الخدمة هي المعتادة من خدمة البيت ، لكن ; لأن الخدمة منفعة وهي لا تورث . وجه قول محمد وهو قول الشافعي وزفر أن الجارية أو الخدمة جعلت بدل ما ليس بمال وهو العتق وقد حصل العجز عن تسليم البدل ، ولا يمكن الفسخ إذ العتق لا يفسخ فتجب قيمته أو مثله لو كان مثليا ، وصار كما إذا تزوج على جارية أو خالع عليها أو صالح عن دم [ ص: 16 ] عمد ثم استحقت أو هلكت حيث يرجع بقيمة البدل اتفاقا . وجه قولهما أنها بدل ما هو مال وهو العبد ، وإن كان لا يملك نفسه ، كما إذا اشترى عبدا أقر بحريته لا يملكه وهو معاوضة مال بمال ; لأن العبد مال بالنسبة إلى السيد حيث أخذ مالا في مقابلة إخراجه مالا عن ملكه . نعم هنا ملاحظة أخرى وهي اعتبار ما أخذ في مقابلة ما به خرج المال عن ملكه وهو تلفظه بالإعتاق ، وهذا الاعتبار لا ينفي الأمر الثابت في نفس الأمر ، وهو خروج مال عن ملكه بذلك العوض ، فصار كما إذا باع عبدا بجارية ثم استحقت إنما يرجع بقيمة العبد ، بخلاف ما قيس عليه ; لأنه مبادلة مال بما ليس بمال ، ولهذا لو شهدوا بإسقاط القصاص وإبطال ملك النكاح ثم رجعوا لا يضمنون الدية وقيمة البضع . ولو شهدوا بالإعتاق ورجعوا ضمنوا ، ولو خدمه سنة مثلا ثم مات أحدهما أخذ بقيمة خدمته ثلاث سنين عند محمد ، وعندهما بقيمة ثلاثة أرباع رقبته وعلى هذه النسبة قس .

وعلى هذا لو أعتق ذمي عبده على خمر أو خنزير يعتق بالقبول ، فإن أسلم أحدهما قبل قبضه فعندهما على العبد قيمة نفسه ، وعند محمد قيمة الخمر ، هذا في المعاوضة . أما لو كان قال إن خدمتني أربع سنين أو سنة مثلا فخدم بعضها ثم مات أحدهما لا يعتق ; لعدم الشرط ويباع إن كان الميت المولى ، وكذا لو أعطاه مالا عوضا عن خدمته أو أبرأه المولى منها أو بعضها على ما تقدم ، وكذا لو قال إن خدمتني وأولادي فمات بعضهم قبل استيفاء المدة يتعذر العتق .




الخدمات العلمية