الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 503 ] ( وأما الخمس فيقسم على ثلاثة أسهم : سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ويقدمون ، ولا يدفع إلى أغنيائهم ) وقال الشافعي : لهم خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم [ ص: 504 ] لقوله تعالى { ولذي القربى } من غير فصل الغني والفقير .

ولنا أن الخلفاء الأربعة الراشدين قسموه على ثلاثة أسهم على نحو ما قلناه وكفى بهم قدوة . وقال عليه الصلاة والسلام { يا معشر بني هاشم إن الله تعالى كره لكم غسالة الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس } والعوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض وهم الفقراء . [ ص: 505 ] والنبي عليه الصلاة والسلام أعطاهم للنصرة ; ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام علل فقال : { إنهم لن يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام ، وشبك بين أصابعه } دل على أن المراد من النصر قرب النصرة لا قرب القرابة . [ ص: 506 - 507 ] قال ( فأما ذكر الله تعالى في الخمس فإنه لافتتاح الكلام تبركا باسمه ، وسهم النبي عليه الصلاة والسلام سقط بموته كما سقط الصفي ) لأنه عليه الصلاة والسلام كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده والصفي شيء كان عليه الصلاة والسلام يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع أو سيف أو جارية . [ ص: 508 ] وقال الشافعي : يصرف سهم الرسول إلى الخليفة ، والحجة عليه ما قدمناه ( وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالنصرة ) لما روينا .

قال ( وبعد بالفقر ) قال العبد الضعيف عصمه الله : هذا الذي ذكره قول الكرخي .

وقال الطحاوي : سهم الفقير منهم ساقط أيضا لما روينا من الإجماع ، ولأن فيه معنى الصدقة نظرا إلى المصرف فيحرمه كما حرم العمالة .

وجه الأول [ ص: 509 ] وقيل هو الأصح ما روي أن عمر رضي الله عنه أعطى الفقراء منهم ، والإجماع انعقد على سقوط حق الأغنياء ، أما فقراؤهم فيدخلون في الأصناف الثلاثة .

التالي السابق


( قوله وأما الخمس ) أي الذين تقدم أنه يخرجه أولا ( فيقسم على ثلاثة أسهم سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ويقدمون ) على غيرهم لأن غيرهم من الفقراء يتمكنون من أخذ الصدقات ، وذوو القربى لا تحل لهم ، هذا رأي الكرخي ، وسيأتي رأي الطحاوي أنه يدخل فقراء اليتامى من ذوي القربى في سهم اليتامى المذكورين دون أغنيائهم . واليتيم صغير لا أب له ، والمساكين منهم في سهم المساكين ، وفقراء أبناء السبيل من ذوي القربى في أبناء السبيل .

فإن قيل : فلا فائدة حينئذ في ذكر اسم اليتيم حيث كان استحقاقه بالفقر والمسكنة لا باليتم . أجيب بأن فائدته دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئا لأن استحقاقها بالجهاد واليتيم صغير فلا يستحقها ، ومثله ما ذكر في التأويلات للشيخ أبي منصور : لما كان فقراء ذوي القربى يستحقون بالفقر فلا فائدة في ذكرهم في القرآن . أجاب بأن أفهام بعض الناس قد تفضي إلى الفقير منهم لا يستحق لأنه من قبيل الصدقة ولا تحل لهم .

وفي التحفة : هذه الثلاثة مصارف ، الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرف إلى صنف واحد منهم جاز كما في الصدقات ( وقال الشافعي : لذوي القربى خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ) وبقول الشافعي قال أحمد .

وعند مالك : الأمر مفوض إلى رأي الإمام إن شاء قسم بينهم وإن شاء أعطى بعضهم دون بعض وإن شاء أعطى غيرهم إن كان أمر غيرهم أهم من أمرهم ( ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم ) من القرابات ونحن نوافقه على أن القرابة المرادة هنا تخص بني هاشم وبني المطلب ، فالخلاف في دخول الغني من ذوي القربى وعدمه . وقال المزني والثوري : يستوي فيه الذكر [ ص: 504 ] والأنثى ، ويدفع للقاضي والداني وهو ظاهر إطلاق النص ( له إطلاق قوله تعالى { ولذي القربى } بلا فصل بين الغني والفقير ) ولأن الحكم المعلق بوصف يوجب أن مبدأ الاشتقاق علة له ولا تفصيل فيها بخلاف اليتامى فإنهم يشترطون فيهم الفقر مع تحقق الإطلاق كقولنا ، وذلك لأن اسم اليتيم يشعر بالحاجة فكان مقيدا معنى بها ، بخلاف ذوي القربى ، ثم لا تنتفي مناسبتها بالغنى ; لأنه لا يبعد كون قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم توجب استحقاق هذه الكرامة ( ولنا أن الخلفاء الراشدين قسموه على ثلاثة أسهم على نحو ما قلنا وكفى بهم قدوة ) ثم إنه لم ينكر عليهم ذلك أحد مع علم جميع الصحابة بذلك وتوافرهم فكان إجماعا ، إذ لا يظن بهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكلام في إثباته ، فروى أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن { الخمس كان يقسم على عهده عليه الصلاة والسلام على خمسة أسهم : لله والرسول سهم ، ولذي القربى سهم ، ولليتامى سهم ، وللمساكين سهم ، ولابن السبيل سهم } .

ثم قسم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم على ثلاثة أسهم : سهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل . وروى الطحاوي عن محمد بن خزيمة عن يوسف بن عدي عن عبد الله بن المبارك عن محمد بن إسحاق قال : سألت أبا جعفر : يعني محمد بن علي فقلت : أرأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث ولي العراق وما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى ؟ قال : سلك به والله سبيل أبي بكر وعمر ، فقلت : وكيف وأنتم تقولون ما تقولون ؟ قال : أما والله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه ، قلت : فما منعه ؟ قال : كره والله أن يدعي عليه بخلاف سيرة أبي بكر وعمر انتهى . وكون الخلفاء فعلوا ذلك لم يختلف فيه ، وبه تصح رواية أبي يوسف عن الكلبي ، فإن الكلبي مضعف عن أهل الحديث إلا أنه وافق الناس .

وإنما الشافعي يقول : لا إجماع بمخالفة أهل البيت ، وحين ثبت هذا حكمنا بأنه إنما فعله لظهور أنه الصواب لا أنه لم يكن يحل له أن يخالف اجتهاده اجتهادهما ، وقد علم أنه خالفهما في أشياء لم توافق رأيه كبيع أمهات الأولاد وغير ذلك ، فحين وافقهما علمنا أنه رجع إلى رأيهما إن كان ثبت عنه أنه كان يرى خلافه .

وبهذا يندفع ما استدل به الشافعي عن أبي جعفر محمد بن علي قال : كان رأي علي في الخمس رأي أهل بيته ولكن كره أن يخالف أبا بكر وعمر . قال : ولا إجماع بدون أهل البيت لأنا نمنع أن فعله كان تقية من أن ينسب إليه خلافهما ، وكيف وفيه منع المستحقين من حقهم في اعتقاده فلم يكن منعه إلا لرجوعه وظهور الدليل له ، وكذا ما روي عن ابن عباس من أنه كان يرى ذلك محمولا على أنه كان في الأول كذلك ثم رجع ، ولئن لم يكن رجع فالأخذ بقول الراشدين مع اقترانه بعدم النكير من أحد أولى .

فإن قيل : لو صح ما ذكرتم لم يكن سهم مستحق لذوي القربى أصلا لأن الخلفاء لم يعطوهم وهو الحق ، وهو مخالف للكتاب ولفعله عليه الصلاة والسلام لأنه أعطاهم بلا شبهة . [ ص: 505 ] أجاب على قول الكرخي أن الدليل دال على أن السهم للفقير منهم لقوله عليه الصلاة والسلام { يا معشر بني هاشم } الحديث ، وهو بهذا اللفظ غريب ، وتقدم في الزكاة .

وأسند الطبراني في معجمه : حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا مسدد ، حدثنا معتمر بن سليمان ، وساق السند إلى ابن عباس قال : بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما : انطلقا إلى عمكما لعله يستعين بكما على صدقات ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه بحاجتهما ، فقال لهما : { لا يحل لأهل البيت من الصدقات شيء ولا غسالة الأيدي ، إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم ويكفيكم } ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، حدثنا معتمر بن سليمان به بلفظ { رغبت لكم عن غسالة أيدي الناس إن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم } وهو إسناد حسن ، ولفظ العوض إنما وقع في عبارة بعض التابعين ، ثم في كون العوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض ممنوع ، ثم هذا يقتضي أن المراد بقوله تعالى { ولذي القربى } فقراء ذوي القربى ، فيقتضي اعتقاد استحقاق فقرائهم أو كونهم مصارف مستمرا ، وينافيه اعتقاد حقيقة منع الخلفاء الراشدين إياهم مطلقا ، كما هو ظاهر ما روينا أنهم لم يعطوا ذوي القربى شيئا من غير استثناء فقرائهم ، وكذا ينافيه إعطاؤه عليه الصلاة والسلام الأغنياء منهم ، كما روي { أنه أعطى العباس وكان له عشرون عبدا يتجرون } .

وقول المصنف ( والنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم للنصرة إلخ ) يدفع هذا السؤال الثاني ، لكن يوجب عليه المناقضة مع ما قبله لأن الحاصل حينئذ [ ص: 506 ] أن القرابة المستحقة هي التي كانت نصرته ، وذلك لا يخص الفقير منهم ، ومن الأغنياء من تأخر بعده عليه الصلاة والسلام كالعباس فكان يجب على الخلفاء أن يعطوهم ، وهو خلاف ما نقلتم عنهم أنهم لم يعطوهم بل حصروا القسمة في الثلاثة . ويعكر ما سيرويه في تصحيح قول الكرخي أن عمر رضي الله عنه أعطى الفقراء منهم سهما مع أنه لم يعرف إعطاء عمر بقيد الفقر مرويا ، بل المروي في ذلك ما في أبي داود عن سعيد بن المسيب : حدثنا جبير بن مطعم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئا كما قسم لبني هاشم وبني المطلب } قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه . وأخرج أبو داود أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعت { عليا قال : اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله أقسمه حياتك كي لا ينازعني أحد بعدك فافعل ، قال : ففعل ذلك فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولاية أبي بكر حتى كان آخر سنة من سني عمر أتاه مال كثير ، فعزل حقنا ثم أرسله إلي فقلت : بنا العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم ، فرده ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر ، فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر فقال : يا علي حرمتنا الغداة شيئا لا يرد علينا وكان رجلا داهيا } فهذا ليس فيه تقييد الإعطاء بفقر المعطى منهم وكيف والعباس كان ممن يعطي ولم يتصف بالفقر مع أن الحافظ المنذري ضعف هذا فقال : وفي حديث جبير بن مطعم أن أبا بكر لم يقسم لذوي القربى ، وفي حديث علي أنه قسم لهم ، وحديث جبير صحيح ، وحديث علي لا يصح انتهى .

والذي يجب أن يعول عليه على اعتقاده أن الراشدين لم يعطوا ذوي القربى بيان مصرف لا استحقاق على ما هو المذهب ، وإلا لم يجز لهم منعهم بعده عليه الصلاة والسلام ، وذلك أن ذوي القربى وإن قيدت بالنصرة الموازرة في الجاهلية فإنهم بقوا بعده عليه الصلاة والسلام فكان يجب أن يعطوهم ، فلما لم يعطوهم كان المراد بيان أنهم مصارف : أي أن كلا من المذكورين مصرف حتى جاز الاقتصار على صنف واحد ، كأن يعطي تمام الخمس لأبناء السبيل ، وأن يعطي تمامه لليتامى كما ذكرنا من التحفة فجاز للراشدين أن يصرفوه إلى غيرهم ، خصوصا وقد رأوهم أغنياء متمولين إذ ذاك ورأوا صرفه إلى غيرهم أنفع . ونقول مع ذلك : إن الفقير منهم مصرف ينبغي أن يقدم على الفقراء كما قدمناه ، ويدفع قول الطحاوي : إنهم يحرمون ; لأن فيه معنى الصدقة بمنع كون الخمس كذلك ، بل هو مال الله ; لأن الجهاد حقه أضافه إليهم لا حق لنا لزمنا أداؤه طاعة له ليصير وسخا ، ويدل على بطلانه أنه عليه الصلاة والسلام صرفه لهم في حياته ، فلو كان فيه معنى الصدقة لم يفعل ، لكن يشكل على هذا أن مقتضاه كون الغني من ذوي القربى مصرفا غير أن الخلفاء لم يعطوهم اختيارا منهم لغيرهم في الصرف ، والمذهب خلافه ; لأنه لو كان الغني مصرفا صح الصرف إليه ، وأجزأ ; لأن المصرف من حيث إذا صرف إليه سقط الواجب به وليس غنى ذوي القربى عندهم كذلك .

هذا وأما أنه يكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم لأن كونهم مصارف كان للنصرة فلما في أبي داود وغيره بسنده إلى سعيد بن المسيب قال : أخبرني جبير بن مطعم قال : { فلما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك [ ص: 507 ] بني نوفل وبني عبد شمس ، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للوضع الذي وضعك الله فيهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد ، وشبك بين أصابعه } أشار بهذا إلى نصرتهم إياه نصرة المؤانسة والموافقة في الجاهلية ، فإنه ليس إذا ذاك نصر قتال فهو يشير إلى دخولهم معه في الشعب حين تعاقدت قريش على هجران بني هاشم وأن لا يبايعوهم ولا يناكحوهم ، والقصة في السيرة شهيرة .

وعن هذا استحقت ذراريهم مع أنهم لا يتأتى منهم قتال . وشرح قوله قرابتنا واحدة : أنه عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وهذا الجد ، أعني عبد مناف له أولاد هاشم الذي من ذريته النبي صلى الله عليه وسلم والمطلب ونوفل وعبد شمس ، فكان قرابة كل من نوفل وبني عبد شمس والمطلب منه عليه الصلاة والسلام واحدة ، فمقتضى استحقاق ذوي القربى أن يستحق الكل على قول الشافعي أو يكون فقراء الكل مصارف على قولنا ، فبين عليه الصلاة والسلام أن المراد القرابة التي تحقق منها تلك النصرة السابقة ، ومنع الراشدين لهم ليس بناء على علمهم بعدم الاستحقاق بل إنهم مصارف ورأوا غيرهم أولى منهم على ما ذكرنا ( قوله فأما ذكر الله تعالى إلخ ) لما فرغ من بيان ذوي القربى شرع يبين حال سهم الله وسهم الرسول ، فذكر أن سهمه وسهم رسوله واحد ، فإنه ليس المراد من قوله تعالى { فأن لله خمسه وللرسول } ولكذا وكذا أن له سبحانه سهما كما لكل من الأصناف سهم ، بل ذكر الله تعالى في افتتاح الكلام ليتبرك به بذكر اسمه تعالى { فإن لله ما في السموات وما في الأرض } فسهم الله تعالى ورسوله واحد . وقال أبو العالية : سهم الله ثابت يصرف إلى بناء بيته الكعبة إن كانت قريبة ، وإلا فإلى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس . ودفعه بأن السلف فسروه بما ذكر . فإن هذا التفسير روي عن ابن عباس رضي الله عنه .

رواه الطبراني في تفسيره عن أبي كريب : حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا ابن شهاب عن ورقاء عن نهشل عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } ثم قال : فأن لله خمسه مفتاح الكلام { لله ما في السموات وما في الأرض } وكذا روى الحاكم عن الحسن بن محمد بن علي بن الحنيفة فيه قال : هذا مفتاح كلام الله الدنيا والآخرة ، وفي غير حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فصرف ذلك الخمس في خمسة } ، فعلى قول هذا القائل تكون في ستة ( قوله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بموته كما سقط الصفي ; لأنه عليه الصلاة والسلام كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده ، والصفي شيء كان يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع أو سيف أو جارية ) قبل القسمة وإخراج الخمس كما اصطفى [ ص: 508 ] ذا الفقار وهو سيف منبه بن الحجاج حين أتى به علي رضي الله عنه بعد أن قتل منبها ثم دفعه إليه ، وكما اصطفى صفية بنت حيي بن أخطب من غنيمة خيبر . رواه أبو داود في سننه عن عائشة والحاكم وصححه ( وقال الشافعي رحمه الله : يصرف سهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخليفة ) لأنه إنما كان يستحقه بإمامته لا برسالته . قال المصنف ( والحجة عليه ما قدمناه ) أي من أن الخلفاء الراشدين إنما قسموا الخمس على ثلاثة ، فلو كان كما ذكر لقسموه على أربعة ورفعوا سهمه لأنفسهم ، ولم ينقل ذلك عن أحد ، وأيضا فهو حكم علق بمشتق وهو الرسول فيكون مبدأ الاشتقاق علة وهو الرسالة .

وأما قول المصنف وسهم ذوي القربى إلخ فقد تقدم ما يغني فيه . وقوله ( كانوا يستحقونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بالنصرة لما روينا ) يعني ما تقدم من حديث جبير بن مطعم ( وبعده بالفقر ) لا يخفى ضعفه فإن قوله تعالى { ولذي القربى } إما أن يراد به القربى المختصة بتلك المرافقة في الضيق والمؤانسة فيه فتكون المصارف مطلقا في الحياة وبعد الممات ، وإما الفقراء منهم فهم المصارف كذلك : أي في حياته وبعد مماته ، فليس الوجه فيه إلا ما قدمناه من أنه أريد أن القرابة الناصرة مصارف كغيرهم ، غير أنه عليه الصلاة والسلام أعطاهم اختيارا لأحد الحائزين له ، لا أن الصرف إليهم كان واجبا عليه ، كما أنه يجوز أن يقتصر [ ص: 509 ] على مصرف دون مصرف ، ثم رأى الخلفاء الراشدون الصرف إلى غيرهم . وأما فقراؤهم فالأولى أن يعطوا لما قدمناه وما هو الحق في التقرير ، وإنما قال ( وقيل هو الصحيح ) أي قول الكرخي لأن من المشايخ كشمس الأئمة من يرجح قول الطحاوي عليه ، غير أن توجيهه بأن عمر رضي الله عنه أعطى الفقراء منهم فيه ما تقدم .

وقوله ( والإجماع انعقد على سقوط حق الأغنياء ) يريد إجماع الخلفاء الراشدين وإلا فهو محل النزاع إلى اليوم من العلماء




الخدمات العلمية