الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4941 4942 4943 4944 ص: فهذه الآثار التي ذكرناها تعارض الآثار الأول; لأن النبي -عليه السلام- قد منع في هذه الآثار أن يحل الدم إلا بإحدى الخصال المذكورة فيها، غير أنه قد يحتمل أن تكون هذه الآثار ناسخة للآثار الأول. فنظرنا في ذلك هل نجد شيئا من الآثار يدل عليه؟

                                                [ ص: 564 ] فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا أصبغ بن الفرج ، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله ، عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه. ، قال: فثبت الحد ودرئ القتل".

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث ، أن محمد بن المنكدر حدثه، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "في شارب الخمر: إن شرب فاجلدوه -ثلاثا- ثم قال في الرابعة: فاقتلوه. ، فأتي ثلاث مرات برجل قد شرب الخمر فجلده، ثم أتي به في الرابعة فجلده، ووضع القتل عن الناس". .

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي ، أنه حدثه، أنه بلغه عن رسول الله -عليه السلام- مثله سواء.

                                                فثبت بما ذكرنا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذه الآثار الأحاديث التي رواها عن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود، وعائشة - رضي الله عنهم - فإنها تعارض الآثار الأول، وهي الأحاديث التي رواها عن معاوية بن أبي سفيان ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة ، وجرير بن عبد الله ، وأبي الرمداء - رضي الله عنهم -.

                                                وجه المعارضة بين هذه الأحاديث ظاهر، فإذا وقع التعارض بين الحديثين ينظر هل فيه شيء يدل على النسخ؟ فنظرنا في ذلك فوجدنا حديث جابر المسند، وحديث محمد بن المنكدر، وحديث قبيصة المنقطعين تدل على أن قوله -عليه السلام-: "فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" منسوخ.

                                                أما حديث جابر فأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أصبغ بن الفرج شيخ البخاري ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن شريك بن [ ص: 565 ] عبد الله النخعي ، عن محمد بن إسحاق المدني ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله .

                                                وأخرجه النسائي: عن عبيد الله بن سعد، ثنا عمي -هو يعقوب بن سعد- نا شريك ، عن محمد بن إسحاق .... إلى آخره، وقد ذكرناه عن قريب.

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه": أنا ابن أبي دارم الحافظ بالكوفة، ثنا المنذر بن محمد القابوسي، ثنا أبي، ثنا الحسن بن صالح ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن ابن المنكدر ، عن جابر قال: "جلد رسول الله -عليه السلام- نعيمان أربع مرات" فرأى المسلمون حرجا عظيما أن الحد قد وقع وأن القتل قد أخر".

                                                وأما حديث محمد بن المنكدر فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب .... إلى آخره.

                                                وهؤلاء كلهم رجال الصحيح.

                                                وأما حديث قبيصة فأخرجه أيضا عن يونس ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب .

                                                فهؤلاء كلهم أيضا رجال الصحيح.

                                                وقبيصة بن ذؤيب ولد عام الفتح، وقيل: إنه ولد أول سنة من الهجرة، ولم يذكر له سماع من النبي -عليه السلام- وعده الأئمة من التابعين، وذكروا أنه سمع من الصحابة. وإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون له سماع من النبي -عليه السلام-.

                                                وأبوه ذؤيب بن حلحلة، صحابي. والله أعلم.

                                                [ ص: 566 ] وأخرجه أبو داود: ثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: أنا سفيان، قال الزهري: أنا قبيصة بن ذؤيب، أن النبي -عليه السلام- قال: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه -في الثالثة أو الرابعة- فأتي برجل قد شرب الخمر فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل، وكانت رخصة".

                                                قوله: "فأتي ثلاث مرات برجل" هو النعيمان أو ابن النعيمان. وقد اعترض ابن حزم في "المحلى" وقال: أما حديث جابر بن عبد الله فإنه لا يصح; لأنه لم يروه عن ابن المنكدر أحد متصلا إلا شريك القاضي عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن المنكدر وهما ضعيفان.

                                                وأما حديث قبيصة فمنقطع ولا حجة في منقطع.

                                                قلت: لا نسلم أن حديث شريك ضعيف وقد قال يحيى بن معين: شريك صدوق ثقة. وقال العجلي: كوفي ثقة وكان حسن الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس. وقد صحح الحكم وغيره حديثه.

                                                وأما حديث زياد بن عبد الله فأخرجه ابن خزيمة ، عن محمد بن موسى الجرشي ، عن زياد بن عبد الله ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، عن النبي -عليه السلام- نحوه. وقال: "فإن عاد الرابعة فاقتلوه" وقال: "فرأى المسلمون أن الحد قد وقع حين ضرب النبي -عليه السلام- نعيمان أربع مرات".

                                                وأخرجه البيهقي أيضا من طريق ابن خزيمة .

                                                وأما حديث قبيصة وإن كان منقطعا ولكنه يعتضد بحديث جابر - رضي الله عنه - على أن مولد قبيصة وإن كان أول سنة من الهجرة -على ما قاله بعضهم- يمكن سماعه من النبي -عليه السلام- فيرتفع الانقطاع حينئذ، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية