الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

في الميت هل غسله طاهر أم نجس؟ وهل تلحد المرأة الرجل أو الرجل المرأة؟ وهل يجب أن يحج عن المرأة الرجل وعن الرجل المرأة؟ وما يعطي الحاج عن الميت؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، بل غسله طاهر عند جماهير العلماء، فإن ابن عباس وغير واحد من الصحابة قال: الميت لا ينجس حيا ولا ميتا، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي بعض أصحابه في طريق فاختفى منه، فذهب فاغتسل ثم جاء، فقال: "أين كنت"؟، قال: إني كنت جنبا، قال: "سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس".

ولهذا قال جمهور العلماء على أن الماء المستعمل من غسل الجنابة والحيض والوضوء طاهر. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وصب وضوءه على جابر.

وأما دفن الرجل للمرأة فإذا كانت المرأة تدفن في المقابر [ ص: 215 ] فالسنة أن لا يشهد جنازتها إلا الرجال لا يحضر النساء، فحينئذ فيدفنها رجل من أهل الخير، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن ينزل في قبر ابنته. وهذا وإن كان فيه مس المرأة فوق الكفن فهو جائز لأجل الحاجة، لأن خروج النساء مع الجنائز منهي عنه.

وأما إن قدر أن المرأة تدفن في موضع فيه النساء، فإلحاد المرأة لها أولى من إلحاد الرجل إذا لم يكن في ذلك مفسدة.

والرجل يلحده الرجال إلا إذا احتيج إلى إلحاد النساء له، فإن ذلك جائز، وإلحاد النساء الرجال أخف من تغسيلهن له، وفي جواز تغسيل ذوات محارمه له وتغسيل الرجل لذوات محارمه نزاع مشهور بين العلماء، وفي إلحاد الرجل للمرأة أيضا نزاع، لكن الذي ذكرناه صحت به السنة.

ويجوز أن يحج الرجل عن المرأة باتفاق العلماء، وكذلك يجوز للمرأة عن الرجل عند الأئمة الأربعة، وخالفهم بعض الفقهاء لأن حجها أنقص، وليس بشيء، فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أن تحج عن أبيها، وليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول.

ويحج عن المعتقة كما يحج عن الحرة الأصل، فإن كان الحج وجب عليهما في حياتهما وجب أن يخرج عنهما من رأس المال في [ ص: 216 ] مذهب الشافعي وأحمد ومن وافقهما، وأما أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما فيستحبون الإخراج عنهما، ولا يوجبونه إلا إذا وصت به، ويكون من الثلث، وينبغي أن يخرج عنها حجة تامة من حيث أمرت بالحاج، ويخرج عنها حجة مثلها، وإذا أخرج من القاهرة ما ينوي الخمس مئة إلى الألف كان مقاربا. وإن لم يجب الحج عليها في حياتها فيستحب أن يحج عنها بعد موتها، والحجة تامة أفضل من حجة مقامية، ويعطى الحاج ما يكفيه بالمعروف. وأما إذا دبرها -وهي التي يعتقها بعد موته- إذا ماتت في حياته فلا حج عليها بإجماع المسلمين، لكن إن أخرج عنها حج التطوع كان ذلك حسنا، والله أعلم. [ ص: 217 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية