الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة

في رجل صلى صلاة الصبح إماما بسورة المدثر و"لا أقسم بيوم القيامة" في الركعتين، وسبح في الركوع والسجود ما بين سبع تسبيحات إلى عشر، فقال بعض الناس: هذه الصلاة ليست من الشرع ولا يصلى خلفه. فهل يجب على ولي الأمر تعزير من يقول هذا القول واستتابته؟ وما على من ينكر هذه الصلاة؟ أفتونا رحمكم الله أجمعين.

الجواب

الحمد لله. بل هذه الصلاة مشروعة باتفاق أئمة المسلمين، فإنهم متفقون على أن السنة للإمام أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل، والمفصل من قاف. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ما بين الستين آية إلى المئة ، وكان يقرأ فيها بقاف ونحوها من السور، وهي أطول مما ذكر، وقرأ فيها أيضا بالصافات ، [ ص: 313 ] و"الم تنزيل" و"هل أتى" ، وبسورة المؤمنين، لكن أدركته سعلة في أثنائها، وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".

وكان عمر بن الخطاب يقرأ فيها بيونس ويوسف وهود، وكان عثمان يقرأ بطوال المفصل، وقرأ أبو بكر الصديق مرة فيها بسورة البقرة، فقيل له: كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. ومثل هذا معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، وقد أمرنا باتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين فقال: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

وفي السنن أن أنس بن مالك لما صلى خلف عمر بن عبد العزيز قال: ما رأيت أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة هذا الفتى، وكان يسبح في الركوع والسجود من عشر تسبيحات.

وفي الصحيحين أن أنس بن مالك قال: لأصلين بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا قام من الركوع يقوم حتى يقول القائل: قد نسي، [ ص: 314 ] وإذا قعد من السجود يقعد حتى يقول القائل مثل هذا. مع أن الركوع والسجود لا ينقص عن ذلك باتفاق المسلمين، بل يكون مثل ذلك أو أطول.

وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال: رمقت الصلاة خلف محمد صلى الله عليه وسلم، فكان قيامه فركوعه فاعتداله في الركوع فسجوده فجلوسه بين السجدتين فسجوده فجلوسه ما بين السلام والانصراف قريبا من السواء. وفي رواية: ما خلا القيام والقعود.

وفي الصحيحين عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام. فهذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو من التخفيف الذي أمر به، كما قال: "إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن من ورائه السقيم والكبير وذا الحاجة". وقال لمعاذ: "أفتان أنت يا معاذ؟ " لما قرأ في العشاء الآخرة بسورة البقرة. فهذا التطويل الذي فعله معاذ ينهى عنه الإمام.

ومن أنكر ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه ليس من الشرع، فإنه يعزر على ذلك تعزيرا يناسب حاله، زجرا له ولأمثاله. والله أعلم. [ ص: 315 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية