الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              منهج النظر المعرفي بين أصول الفقه والتاريخ (الشاطبي وابن خلدون أنموذجا)

              الدكتور / الحسان شهيد

              الخاتمة

              الحمـد لله العليم الحليم، الجواد المنعم الكريم، الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد:

              فحسبي في ختام هذا البحث أن أكون قد وفقت في دراسة الموضوع بالمنهج السليم، والشاكلة المناسبة.

              فمنهج النظر العلمي عند علمين نظارين كبيرين كالإمام الشاطبي والعلامة ابن خلدون لا تسعه كتب ومجلدات كثيرة، ولعل احتفاظ المكتبة العربية والإسلامية بعدد لا يحصى من البحوث الخاصة بالعالمين لشاهد إثبات على ذلك، لذلك فقد حاولت إجراء مقاربة علمية منهجية بينهما من حيث جوانب دقيقة اعتبرتها تفي بالمقصود المرسوم، وتحقق المبتغى المعهود، وقد لوحظ من خلال مباحث الكتاب أن علمي أصول الفقه وأصول التاريخ يشتركان في جوانب عدة، سواء العلمية منها أو المنهجية، وهذا سر ذلك التقارب الكبير بين منهج الإمام الشاطبي والعلامة ابن خلدون، كما نلمس تجليات التقارب في المرجعيات العقدية والمذهبيات الفقهية وكذا الرؤى المنهجية التي تحكم كلا منهما.

              كما أن عنايتهما بالعلوم "الأصولية" كعلمي أصول الفقه وأصول التاريخ برؤية نقدية تحقيقية ومراجعات علمية لعدد من المباحث المكونة لهما ليؤكد إدراكهما في مرحلتهما الخاصة والمتعينة أن هذه العلوم الأولية عرفت انـزياحا موضوعيا وصرفا واضحا عن الأبعاد العلمية المرسومة سلفا لها، محاولين رد الاعتبار للغاية من وجودها والمقصد الأساس من قيامها. [ ص: 136 ]

              ويبدو من خلال تتبع مسائل الإمام الأصولية وقضايا العلامة التاريخية، أنهما استثمرا في ذلك منهج الاستقراء، على سبيل الاستدلال والبرهان، قطعا فيه بالكليات والقواعد المعتبرة عندهما.

              فالكليات استقرائية في أصولها، والقواعد معتبرة بالتتبع والاقتفاء في أساسها، وهما بصدد محاولة بيان وكشف قطعيتها، بانتهاج أسلوب استدلالي يقرب المتلقي من فهم مقصوده وبلوغ مراده.. وبعبارة أخرى، إن الشاطبي وابن خلدون يجريان عملية استـدلال على كليـات استقرائية قطعية عندهما، ولا يقومان بعملية استدلال بالاستقراء لاستخلاص كليات قطعية، وما كان من جانب البيان والتوضيح يدخل في الأولى لا في الثانية. وواضح الفرق بين العمليتين العلميتين، فهما يشتغلان على الأولى بشكل بعدي، واشتغلا على الثانية بشكل قبلي، وثابت مسلكهما في جل تخريجاتهما الأصولية والتاريخية العملية الأولى، أي الاستدلال على كليات استقرائية قطعية.

              لقد مثلت آليات علم المنطق وقواعده أحد المناهج العلمية المستثمرة من لدن الشاطبي وابن خلدون؛ وإن أبدى كل منهما موقفا رافضا وصريحا من علم المنطق وآلياته، فإن ذلك لا يعني بالضرورة عدم إعمال قواعده، ونفي الاشتغال على آلياته، بل إنهما استطاعا تكييفه شرعيا مع علوم الملة، والإفادة من مسالكه في النظر، بحسب المبادئ الأصولية المعتبرة، واستثمار فوائده في الاستدلال على مطالبهم العلمية، وكل ذلك بنفس معرفي وفق التقصيد الشرعي النافع.

              لكن ما تحفظا عليه مطلقا هو تعلم المنطق ودراسته باعتباره علما مقصودا لذاته ومحكوما بالنظر فيه وبه، أما دراسته بالقدر المفيد والنافع حتى يستجيب ذلك لخدمة علوم الملة المطلوبة بالقصد الأصلي، فتلك مسألة لا يمانع فيها الرجلان. [ ص: 137 ]

              ومن خلال هذا البحث تراءت إشارات تدعو إلى مزيد من التأمل والتحقيق في مناهج البحث العلمي عند علمائنا والأسس المنهجية التي سلكوها في بناء عمرانهم المعرفي، وهذا سيفيد لا محالة في فقه الضوابط العلمية التي أسهمت في إثراء البحث وإدراك الثوابت المستثمرة في تطوير النظرين الأصولي والتاريخي وتنقيحه.

              وهذه مجموعة مقترحات لمواضيع تفتقت عناوينها انطلاقا من هذا البحث المتواضع، أحسبها جديرة بالبحث، أحيلها إلى من سنحت له الفرصة، وجدت له المناسبة لمدارستها:

              - التكامل المعرفي بين العلوم: أصول الفقه وأصول النحو وأصول الحديث وغيرها من العلوم المؤسسة والمنظمة لمجالاتها التداولية.

              - منهج النقد العملي بين المعرفة الأصولية والتاريخية، دراسة في حدود الائتلاف والاختلاف.

              - منهج النظر العلمي بين الأصوليين والمؤرخين، دراسة مقارنة بين الأسس العلمية في التحقيق الأصولي والتصديق التاريخي.

              - منهج التحقيق في البحث التاريخي، دراسة في المسالك العلمية المقطوع بها في تأصيل القواعد والأدلة الأصولية.

              ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )

              وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 138 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية