الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              تكامل أصول الفقه وأصول التاريخ

              بين الإمداد والاستمداد

              يتجلى التكامل المعرفي بين علمي أصول الفقه وأصول التاريخ في صور عديدة وأبعاد مختلفة يمكن حصرها في نوعين اثنين:

              النوع الأول: تكامل منهجي:

              إن التسمية النازعة إلى التركيب الإضافي في كل من علم أصول الفقه وأصول التاريخ لتؤكد الحضور الفعلي لبنية التأصيل ومتعلقاتها في هذين العلمين؛ لأن إضافة اسم الفقه إلى أصول واسم التاريخ إلى نفس المضاف إليه دليل على الضم واللحاق بتلك التسمية القائمة على التقعيد والتأصيل.

              بل إن كل ذلك ليؤكد من جهة أخرى اشتراكهما المنهجي في كونهما ليسا علمين كليين مطلقين في التصنيف التاريخي للعلوم؛ لأنهما يحملان صفات الخدمة والإنجاز لصالح علوم سابقة الوجود بالفعل بدأت قوتها ظاهرة على مستوى التسمية والوصف؛ فعلم أصول الفقه يفهم منه على سبيل القوة أنه علم لولا الفقه لما قام واستقام، ولولا الفقه لما كان، وهكذا علم أصول التاريخ يدرك منه على أساس التعيين أنه علم لولا علم التاريخ لما حدث واستحدث، ولولا لتاريخ لما انتهى إليه الأمر، فهما إذن علمين جاءا لأجل خدمة العلوم [ ص: 25 ] الأصلية الممتدة في مجالها التداولي. وبذلك ينطبق عليهما التعبير الخلدوني الذي يصفهما بأنهما: العلوم الموجودة لغيرها لا لذاتها.

              كما أن البنية التأصيلية لعلم أصول الفقه وعلم أصول التاريخ، ووجودها التاريخي البعدي للعلوم المصدرية والعملية لمجالاتها التداولية، تؤكد أنه لا يمكن لهذين العلمين أن يقوما مقام علميهما الأصليين المصدرين، وذلك وجه من وجوه التكاملية على صحة البنية التأصيلية لعلمي أصول الفقه وأصول التاريخ.

              يضاف إلى ذلك ما بين علم أصول الفقه وعلم أصول التاريخ من مواثيق دقيقة من جهة البعد التصحيحي للمعرفة المصدرية ذات المجال التداولي لتلك العلوم؛ لأن البداية التقعيدية والتأصيلية لنشأتهما تفسر اشتغالهما على أبعاد التصحيح والتوجيه، فعلم أصول الفقه نشأ على فكرة التصحيح لآليات الاجتهاد وتصويب الآراء الفقهية، وذلك ما يفسر لجوء الشافعي إلى كتابة "الرسالة" رغبة منه في وضع قانون ونظام أصول يضبط الاجتهاد الفقهي وينظمه، وهو الداعي نفسه الذي دفع إلى حدوث علم أصول التاريخ، الذي أسس على قواعد التصحيح التاريخي والتثبت في نقل الأخبار وجعلها مصادقة لما جرى وحدث.

              كما لا يمكن فهم السياق المعرفي، الذي ظهر فيه كل من علم أصول الفقه وعلم أصول التاريخ إلا في مدار السياق المنهجي والآلي، وذلك باعتبار المقاصد المنهجية التي بني عليها العلمان، فعلم أصول الفقه هو العلم المنظم لأصول النظر الفقهي، والمقعد لقواعد الاجتهاد الفروعي، ولا يخرج عن السياق الذي يؤسس لنظرية المنهج في بناء العمران الفقهي، كما أن علم أصول التاريخ هو الآخر [ ص: 26 ] العلم القائم على مجموعة من القواعد المنظمة للسرد التاريخي والمقيمة للحقائق التاريخية، ولا ينفك عن الاعتبار نفسه، الذي يرسم معالم المنهج في مطابقة الأخبار للعمران البشري.

              ومن بين التقاطعات المنهجية بين أصول الفقه وأصول التاريخ اعتماد كليهما على المعرفة التواترية الاستقرائية في تحصيل صور القطع واليقين، فمسلك التواتر أساس في النظر التاريخي لاستخلاص صحيح الأخبار والأحداث من كذبها، وهو على سبيل الاستقراء الذي اشتغل عليه علماء الأصول في القطع والأدلة والقواعد والكليات.

              إلى جانب ذلك يستوي النظر في الدرس الأصولي مع نظيره التاريخي في الاشتغال على عدد من القواعد العقلية والمنطقية كالقياس والاستقراء وبرهان الخلف وأنماط التلازم وغير ذلك مما يؤسس لاشتراك منهجي وتكامل منهجي في الدرس الأصولي والتاريخي.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية