الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              3- الاعتراض الاستقرائي:

              وكي يضع الإمام حدا لأي تعارض قد يطرأ، أو دعوى مخالفة قد تقع ضد ما أثبته من صحيح الكلية، يفترض بنفسه جملة إشكالات محتملة الوقوف أمام استدلاله الاستقرائي، ثم يردها ويفندها بحسب تكييف شرعي لها ينسجم مع طريقته الاستقرائية.

              وأقوى هذه الإشكالات الواردة على كلية القاعدة، دعوى تقوم على أساس استقراء مخالف من الجهة الأخرى لمجموعة من النصوص الشرعية، وخاصة منها الحديثية، تدل على خلاف معنى القاعدة، وتقوم مقام تخصيص عمومها، وبذلك تخرم كليتها، فتصبح ظنية لا ترقى إلى مستوى القطعية، يقول رحمه الله: "فإن قيل: كيف هذا؟ وقد جاء في النيابة في العبادات، واكتساب الأجر والوزر من الغير، وعلى ما لم يعمل، أشياء:

              أحدها: الأدلة الدالة على خلاف ما تقدم: وهي جملة منها: أن ( الميت يعذب ببكاء الحي عليه ) [1] ، وأن ( من سن سنة حسنة أو سيئة كان له أجرها [ ص: 41 ] أو عليه وزرها ) [2] ، وأن ( الرجل إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث ) [3] ، وأنه "ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها" [4] .

              وفي القرآن: ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) (الطور:21) ،.. وفي الحـديث: ( إن فريضـة الله أدركـت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم ) [5] ، وفي رواية: ( أفرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته، أكان يجزئه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى ) [6] ، و ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) [7] ، ( وقيل: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه، قال: فاقضه عنها ) [8] ، وقد قال بمقتضى هذه الأحاديث كبراء، وعلماء. وجماعة ممن لم يذهب إلى ذلك قالوا بجواز هبة العمل، وأن ذلك ينفع الموهوب له عند الله تعالى" [9] . [ ص: 42 ]

              ثم يضيف بعد ذكر هذه النصوص الشاهدة على خلاف ما تقدم، من عدم صحة النيابة في التعبدات: "فهذه جملة تدل على ما لم يذكر من نوعها، وتبين أن ما تقدم في الكلية المذكورة ليست على العموم، فلا تكون صحيحة" [10] . فهل فعلا ما سرده من آيات وأحاديث، تدل في عمومها على معنى معاكس، يقدح في الكلية التي يقيم عليها حججه واستدلالاته؟

              ثم ألا يمكن اعتبار هذا المعنى المستفاد من هذه النصوص استدلالا استقرائيا شرعيا على صحة النيابة في التعبدات الشرعية؟

              التالي السابق


              الخدمات العلمية