الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              1- خاصية البيانية:

              وأقصد بها أن أبعاد عملية الاستقراء للجزئيات تنتهي عند مطالب البيان بالتفسير والتوضيح لنتيجة عامة تحصلت بإجراءات التتبع والاقتفاء التي تمت قبل ذلك في مجالات البحث والدراسة، عبر زمن غير قصير، ولم يبق في هذه المباحث غير بيان ذلك للقارئ وإقناعه بصحة دعواها وصدق نتيجتها التي خلص إليها من قبل.

              والذي يبدو من خلال تتبع مسائل وقضايا الإمام والعلامة الأصولية والتاريخية، التي استثمرا فيها منهج الاستقراء، أنهما سلكا منهجا استدلاليا برهانيا، يقطعا فيه بالكليات والقواعد المعتبرة عندهما.

              فالكليات استقرائية في أصولها، والقواعد معتبرة بالتتبع والاقتفاء في أساسها، وهما بصدد محاولة بيان وكشف قطعيتها، بانتهاج أسلوب استدلالي يقرب المتلقي من فهم مقصـوده وبلوغ مراده.. بعبارة أخرى، أن الشاطبي وابن خلدون يجريان عملية استـدلال على كليات استقرائية قطعية عندهما، ولا يقوما بعملية استدلال بالاستقراء لاستخلاص كليات قطعية، وما كان من جانب البيان والتوضيح يدخل في الأولى لا في الثانية، لأن عملية الاستـقراء كما توظف في التأسيس لحكم معين والبحث عنه من جهة، يتأتى استثمارها باعتبارها وسيلة لإثبات صحة الحكم وقطعيته [1] . [ ص: 54 ]

              وواضح الفرق بين العمليتين العلميتين، فهما يشتغلان على الأولى بشكلي بعدي، واشتغلا على الثانية بشكل قبلي، وثابت مسلكهما في جل تخريجاتهما الأصولية والتاريخية العملية الأولى، أي الاستدلال على كليات استقرائية قطعية، كما سأبين ذلك بحول الله تعالى.

              وهذا المذهب النظري الذي أركن إليه، تفسره مسألتان منهجيتان عندهما، فضلا عما تم الكشف عنه خلال خطوات هذا المسلك.

              الأولى: وتتمثل فيما دأبا عليه من وضع كلياتهما المراد بيانها، ونتائجهما المرجو تحقيقها، في شكل مسائل، أي قضايا تحتاج إلى استدلال، ثم في صيغة دعاوى تتطلب نوعا من التحقيق والإثبات.

              الثانية: تتجلى في أسلوبهما الاستدلالي على الكليات الاستقرائية، حيث ينطلقان من وضع صيغة الكليات في بداية استدلالهما، وبعد التحقيق في مسألتها، يعودا مرة أخرى ليذكرا بها لتصديق دعواهما. وهذا أسلوب في غاية الدقة والنوعية تميزا به.

              الثالثة: سرد أهم الجزئيات والفروع الدالة على صدق الكليات والمبادئ، واحدة تلو الأخرى، باعتبارها رؤوس أمثلة يصدق ذكرها على ما عداها من أخريات، قياسا عليها واعتبارا.

              الرابعة: وتتمثل في التعقيبات والردود من جانب الشاطبي وابن خلدون على كل جزئية وفرع، للدلالة على قناعتهما العلمية وقطعيتهما في البحث من دون شك أو ارتياب. [ ص: 55 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية