الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              منهج النظر المعرفي بين أصول الفقه والتاريخ (الشاطبي وابن خلدون أنموذجا)

              الدكتور / الحسان شهيد

              - أبعاد التكامل المعرفي بين أصولي الفقه والتاريخ:

              تتميز العلوم في المجال التداولي الإسلامي بتقاطعاتها الكثيرة وتشابكاتها المعقدة، إذ يندر أن يجد المطلع على أحد تصانيفها على باب مستقل دون أن يلحظ ذلك الحضور الفعلي لعلوم أخرى، وهذا سر فضول الدراسات العلمية في فقه الأسس "المعرفية" للعلوم وفهم تطورها عبر السياق التاريخي، بل إن ذلك التكامل المعرفي لا يطول جانبا واحدا فحسب بل يطول كل الجوانب والمسائل، بما فيها:

              - العلمية الموضوعية، حيث لا يصعب على المفسر في التفسير الاستغناء عن علم الحديث وأصوله أو التاريخ أو أصول الفقه أو السيرة أو غير ذلك.

              - أو المنهجية الآلية، إذ اشتغلت أغلب العلوم الإسلامية في مجالاتها المعرفية على آليات منهجية وقواعد ومسالك في إنتاج الخطاب العلمي، يجمعها قواعد الاستقراء والقياس والاستنباط.

              - أو المقصدية الغائية؛ لأن العلوم في الفكر الإسلامي إنما أنشئت لغاية التعبد وتيسيره، بل إن العلم أحد الواجبـات، فالعلوم واجبة من حيث لا يتم الواجب إلا بها، فأخذت حكم الواجب، وذلك هو مجرى كل العلوم بالاعتبار المشترك. [ ص: 23 ]

              وهذا يعود بالأساس إلى الأصل المشترك، الذي تنطلق منه هذه العلوم كلها، وهو نصوص الوحي القرآني والحديثي، فكان من الضروري انتهاؤها إلى خدمة مقصد واحد مشترك.

              وفي حال النظر إلى علم أصول الفقه وعلم أصول التاريخ نجد أن بين العلمين مواثيق دقيقة، يشفع الكشف عنها وتحقيق النظر فيها في معرفة الأسس العلمية والمعرفية لنشأة العلوم وتطور أبعادها المنهجية والمسلكية، وسيتم من خلال المباحث المقبلة الوقوف عند الأهم من المعالم المنهجية لهذه العلاقات المتداخلة، سواء على مستوى التأصيل عند كل علم أو على مستوى المكونات العلمية.. ولعل أهم المكونات التكاملية الداعية إلى هذا الفضول المعرفي هو ذلك الاشتراك العلمي في بنيتها التأصيلية القائمة على التقعيد والتأسيس لمجالاتها التداولية لكل منهما، فعلم أصول الفقه ظهر استجابة لضرورات التقعيد ومنهجة المجال الاجتهادي لعلم الفقه، فهو قد جاء لتنظيم ذلك المجال وتصويبه؛ وكذلك علم أصول التاريخ، الناشئ على أساس معاودة النظر في الروايات التاريخية والأحداث المروية وتصحيح أخطائها، طلبا للمصادقة التاريخية، هو الآخر ظهر لنفس الغرض والمقصد.

              إن هذه المشتركات وغيرها لها أهميتها الكبرى في فقه الأسس العلمية والمعرفيـة، وذلك على مستـويات عديدة منها: معرفة طبيعة العلمين، هل هما علمان مقصـودان بالنظر، أم آليان منهجيان في النظر العلمي؛ وكذلك معرفة مقاصد العلمين والأبعاد المنهجية، التي يرمي إليها كل علم، والغاية المعرفية التي أسس عليها. [ ص: 24 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية