الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              2- البيان الاستقرائي:

              وتثبت حقيقة القاعدة وقطعيتها عند الإمام، بحسب النظر الشرعي المتأمل والدقيق من جهة النقل والتعليل [1] ، ثم ينتقل إلى بيان ذلك وتفسيره؛ انطلاقا من استقراء جملة نصوص شرعية دالة على نفس معنى القاعدة:

              - الجزئية الأولى: كقوله تعالى: ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ) (النجم:38).

              - الجزئية الثانية: وكذا ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (النجم:39).

              - الجزئية الثالثة: وأيضا قوله تعالى: ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) (فاطر:18).

              - الجزئية الرابعة: وقوله عز وجل: ( وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) (القصص:55).

              وما شابه ذلك مما ذكره، ومما أشار إلى وفرته في هذا المعنى [2] .

              كما يدعم أبو إسحاق استدلاله الاستقرائي هذا بنظر تعليلي يراعي فيه المقصود الشرعي من العبادات.

              - الجزئية الخامسة: إذ يعتبر أن العلة العظمى من التكليف في العبادات، هو "الخضوع إلى الله تعالى، والتوجه لله، والتذلل بين يديه، والانقياد تحت حـكمه، وعمارة القـلب بذكره، حتى يكون العبد بقلبه وجوارحه حاضرا [ ص: 39 ] مع الله، ومراقبا له غير غافل، وأن يكون ساعيا في مرضاته، وما يقرب إليه على حسب طاقته" [3] .

              لذلك فإن المكلف مطالب بالتعبد في الشرعيات، وهو يراعي هذا الاعتبار المقصدي، ومن هذا الباب أيضا كانت النيابة غير جائزة، وغير صحيحة لأنها "تنافي هذا المقصود وتضاده" [4] .

              - الجزئية السادسة [5] : ويؤكد صحة القاعدة بداعم علمي آخر يخدم حقيقة استدلاله الاستقرائي، وهو "أنه لو صحت النيابة في العبادات البدنية لصحت في الأعمال القلبية، كالإيمان وغيره من الصبر والشكر والرضى والتوكل والخوف والرجاء وما أشبه ذلك،.. ولصح مثل ذلك في المصالح المختصة بالأعيان من العاديات، كالأكل والشرب، والوقاع واللباس وما أشبه ذلك، وفي الحدود والقصاص، والتعزيرات وأشباهها من أنواع الزجر. وكل ذلك باطل بلا خلاف، من جهة أن حكم هذه الأحكام مختصة، فكذلك سائر التعبدات" [6] .

              بعد هـذه الخطـوة الاستـدلالية المعتمـدة على أساس الاستـقراء، وما يستصحبه من دعائم علمية أخرى، تسير في اتجاه تأكيد القطع بالكلية، يؤكد على إثرها أن ما تقدم من نصوص قرآنية مستـقرأة، هي نصوص عامة لا يتطرق إليه احتمال ولا يلجها تخصيص؛ لأنها نصوص محكمة، الشيء الذي يدل على ثباتها [ ص: 40 ] وقاعديتها، يقول: "وما تقدم من آيات القرآن كلها عمومات لا تحتمل التخصيص؛ لأنها محكمات نـزلت بمكة احتجاجا على الكفار، وردا عليهم في اعتقادهم حمل بعضهم على بعض أو دعواهم ذلك عنادا، ولو كانت تحتمل الخصوص في هذا المعنى لم يكن فيها رد عليهم، ولما قامت عليهم بها حجة" [7] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية